كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر والربع من صباح أمس عندما حطّت بنا طائرة "أير باص" الضخمة حاملة في طابقين أكثر من 800 مسافر قادمسن من عاصمة الجن والملائكة باريس إلى جنوب إفريقيا عروس القارة السمراء...
الكل كان ذاهبا للسياحة والقيام بـ "السفاري" في هذا البلد الجميل، غير أننا كنا الوحيدين بكل تأكيد الذين جئنا لتغطية الحدث الكروي الأكبر في إفريقيا، كأس الأمم الإفريقية العرس الذي تعود إليه الجزائر بعد غياب دام 3 سنوات، وفي وقت مبكر من حيث توقيت الوصول بما أن أشبال حليلوزيتش فضلوا أن يعسكروا مبكراً في روستنبورغ المدينة التي ستحتضنهم خلال كامل الدور الأول وهو خيار صائب سنؤكد فيما بعد لماذا نراه كذلك.
الساعة 00.00 من العام الجديد دقت في الأجواء الباريسية عوض روستنبورغ
عندما دقت ساعة الصفر معلنة بدء العام الجديد بالتقويم الميلادي، كانت الطائرة قد قضت 20 دقيقة في الهواء ولم تبتعد كثيرا عن الأجواء الباريسية، عند هذه الساعة تعالت التصفيقات والتهنئة بالعام الجديد وسط الحضور الذين كان مظهر أغلبهم يوحي بأنهم أوروبيون، حتى مضيفي الطائرة كانوا يهنئون الجميع، وبالنسبة لنا لم يكن الأمر يعينا كثيرا لأنه كان يفترض أن لا نكون أصلا في هذه الرحلة بل في روستنبورغ لولا "الفيزا" التي أكدت السفارة في البداية أنها لن توضع استثناء للصحفيين خلال كأس إفريقيا، وهو ما تسبب عكس التوقعات في عودتنا من المطار يوم الأحد وتأجيل السفر إلى أول أمس الاثنين.
11 ساعة مرهقة جدا إلى جنوب إفريقيا واللاعبون سيكونون بحاجة إلى أيام للاسترجاع
السفر إلى جوهانسبورغ استغرق ساعتين ونصف من العاصمة إلى باريس ومن الأخيرة إلى جوهانسبورغ مدة 11 ساعة بالتمام والكمال أي 13 ساعة ونصف كانت مرهقة جدا، مع كراسي لا تعود كثيرا إلى الخلف ولا توفر راحة كبيرة بسبب حجم حمولة هذه الطائرة، ولو أن لاعبي المنتخب الوطني من حسن الحظ أنهم سيسافرون من الجزائر مباشرة وفي طائرة خاصة، إذ ستدوم الرحلة أقل من ذلك، وسيكون من نصيب كل لاعب عدد معيّن من المقاعد يرتاح فيها وينام إن شاء، لكن السؤال كم يحتاج اللاعبون من مدة ليرتاحوا ويسترجعوا؟ هذا ما يجعلنا نؤكد أن حليلوزيتش درس الأمور جيّداً لما قرّر أن يكون السفر مسبقا للتأقلم.
ملعبان قرب مطار جوهانسبورغ ملك للعامة كلاهما أفضل من 5 جويلية
عندما كانت الطائرة تحط بنا في مطار جوهانسبورغ الكبير والشاسع تراءت من بعيد صورة لملعبين وبالاقتراب منهما تـأكد أنهما فعلاً معلبان وليس شيئاً آخرا، من المؤكد أنه لا يلعب فيهما أي ناد معتمد وقد يكونان ملكاً لأحد الخواص، ويمكننا أن نؤكد أن أرضيتهما أفضل من 5 جويلية بل من ملاعب كثيرة في الجزائر تصرف عليها الملايير دون جدوى، بينما ملاعب مهملة في بلد بمناخ إفريقي لكن بثقافة أوروبية تبقى صالحة ولو كانت في أي مكان.
مئات "الفيلات" بمسابح خاصة تحيط بالمطار والتناقض الكبير عند الخروج منه
ما تراءى قبل ذلك أيضا والطائرة تستعد لأن تحط على مطار جوهانسبورغ الدولي هو مئات "الفيلات" القريبة من المطار التي تعطي صورة لمن لا يعرف هذه البلاد أنها مليئة بالمترفين، لأن تصاميم هذه البنيات أكثر من رائع ويتوفر أغلبها على مسابح خاصة، في المقابل من يسير كيلومترات عن المدينة وخارجها في الطريق إلى وجهته يكتشف الفرق الواسع بين الأغنياء والفقراء، خاصة من الذين يسكنون مدن الصفيح التي توحي بأنك في أوغندا أو في غينيا الاستوائية وليس في أكبر بلد إفريقي تقدماً.
لا شيء يوحي بأنك في مطار إفريقي
ولا يوحي أي شيء لغريب عندما يوضع في مطار جوهانسبورغ بأنه في إفريقيا، لأنّ كل الدلالات تقول أنه في بلد أوروبي مثل إنجلترا ليس فقط بسبب روعة المطار وتصميمه المميز، ولا بحجمه الكبير في مدينة ليست عاصمة البلد (بريتوريا عاصمة جنوب إفريقيا) بل من خلال ملامح المسافرين من كل بقاع أوروبا والعالم وتؤكد أنه بلد "خدم على روحو"، فما عدا الموظفين على مستوى الأكشاك الذين يضعون ختم الدخول من أصحاب البشرة السمراء كان البقية (حوالي 99 % في تلك الأثناء من البيض)، وهو ما يكشف حجم التدفق السياحي على هذا البلد وإن كنا نعرف أن نسبة كبيرة من السكان الجنوب إفريقيين بيض البشرة أيضاً.
لوحة واحدة ترويجية لكأس إفريقيا في مطار "جوهانسبورغ"
وعلى الرغم من أن مطار جوهانسبورغ هو أحد أكبر مطارات البلاد، والذي من المنتظر أن يكون محطة عبور منتخبات عدة (على غرار المنتخب الوطني الجزائري) إلا أننا لم نصادف أي لوحة إشهارية تشير إلى نهائيات كأس إفريقيا التي ستنطلق بعد أسبوعين فقط من الآن، عدا لافتة طولها متران على واحد وفيها عبارة بالإنجليزية وهي "جنوب إفريقيا عاصمة الكرة الإفريقية مجدداً"، وهو ما يجعلنا نستغرب غياب التسويق من جهة ولو أنه من جهة يعتبر ذلك مبرراً لأن البلاد احتضنت قبل أقل من 3 سنوات كأسا عالمية شتان بينها وبين حدث قاري يعتبر أقل بكثير من أكبر حدث رياضي في العالم.
موظف في الشرطة: "أنتم أول صحفيين في القارة يصلون لتغطية الدورة، اكتبوا ذلك"
ولم يتمكن موظف الشرطة في المطار من الحصول على صورة بـ "السكانير" عبر آلة متطورة لجوازات سفر مبعوثي "الهدّاف" و"لوبيتور" لأنها ليست جوازات سفر بيوميترية، ومع هذا لم يمانع في أن يتبادل معنا أطراف الحديث ويحاول معرفة سبب زيارتنا بلاده ولما عرف أننا صحفيون جئنا لتغطية كأس إفريقيا 2013، قال إنّ هناك تعليمات وصلت المطار من أعلى السلطات توصي بضرورة تسهيل مهمتنا، كما سارع إلى تدوين أسمائنا في سجل مخصص لذلك، قبل أن يقول لنا: "أنتم أول صحفيين في العالم يصلون لتغطية كأس إفريقيا، يجب أن تفخروا بذلك، اكتبوا ما قلته في صحيفتكم".
أكد أنه علينا أن نركب سيارة ونتفادى الحافلات لأنها خطيرة على أصحاب البشرة البيضاء
وسألنا هذا الموظف عن الطريقة المثلى للوصول من جوهانسبورغ إلى روستنبورغ المدينة التي ستستقبل "الخضر" بداية من يوم الجمعة المقبل، فقال إنه علينا أن نستقل سيارة ولو كانت مكلفة لأنها أكثر أمناً – على حد قوله -، ولما طلبنا منه أن يشرح لنا قال إنّ الركوب في الحافلات خطير جدا بالنسبة لأصحاب البشرة البيضاء دون أن يشرح لنا أكثر من ذلك، وهي رسالة كانت واضحة وجعلتنا نخرج مباشرة للتفاوض مع صاحب سيارة أخرى قرر نقلنا مقابل ما يعادل 120 دولار (1300 راند بالعملة الجنوب إفريقية)، كما أنه هو من حمل حقائبنا كدليل على تحمسه واقتناعه بالسعر قبل أن يحدث ما لم يكن في الحسبان.
حوالي 30 درجة في جوهانسبورغ والمدينة ميّتة بسبب الأعياد
ركبنا سيارة "المرسيدس" التي يأتي مقودها على الجهة اليمنى- عكس السيارات الجزائرية- في درجة حرارة بدت لنا مرتفعة في الثلاثين أو تفوق ذلك بقليل، وكانت الأمور أسوأ بما أننا كنا نرتدي لباسا شتويا جئنا به من باريس، قبل أن نسارع إلى نزع ما ثقل من اللباس والإكتفاء بما خف منه، ونحن نخرج من المطار كان الهدوء يخيم على المدينة التي بدت لنا أنها في عطلة، ودون أن نسأل كان من الواضح أن الأمر يتعلق بعيد رأس السنة الميلادية الذي هو عطلة مدفوعة الأجر في جنوب إفريقيا، لذا كانت السيارات قليلة جدا في الطريق السيّار، كما كانت المحلات مغلقة في الطريق إلى وجهتنا.
حيّ قصديري في الطّريق اسمه "الجزائر"!
لم نصدق بعد 15 كلم عن جوهانسبورغ ونحن نعبر طريقها السيّار أننا قرأنا اسم "الجزائر" على إحدى اللافتات، وقد تثبّتنا من الأمر وتأكدنا فعلا أن الأمر يتعلق بكلمة "algeria" وليس كلمة أخرى تشبهها، لكن ذلك كان تسيمة لحي قصديري فقير جدا يبيع بالقرب منه بعض الشبان الموز وفاكهة "المانغو" فضلا عن الدجاج والسجائر، وقد حاول الشبان أن يوقفونا لما خفّظ السائق السرعة تلبية لفضولنا، لكنه عاد وقال أن هذه الأحياء خطيرة وعلينا أن لا نفكر تماما في التوقف فيها لأن ذلك يمكن أن يعرّض حياتنا إلى الخطر.
الطّريق إلى روستنبورغ نصفه سيّار والآخر عاد ويستغرق أكثر من ساعتين
أما الطريق إلى روستنبورغ فقد ظهر لنا أنها ليست 120 كلم كما يكتب على شبكة الانترنت لأنها أطول من ذلك بكثير، فقد قطعنا 70 كلم في طريق سيّار و80 كلم في طريق عاد واستغرق منّا ذلك ساعتين من الزمن بسبب كثرة أضواء المرور وإشارات التوقّف حتى في الطريق السريع، فضلا عن نقطة دفع ثمن استغلال الطريق السيار، إذ أصر السائق على أن نسدد 15 راند (حوالي 200 دينار سنتيم) عوضا أن يسدده هو مثلما هو متعارف عليه، وبما أن الثمن زهيد لم نشأ أن نجادله.
سائق السيّارة قام بمساومة حقيرة وأوقفنا وسط غابة للمطالبة بالمال
أما ما تحدثنا عنه قبل قليل عما فعله السائق، فإنه كان نصبا واحتيالا باسم القانون ويؤكد- بحكم الخبرة المتواضعة التي نملكها في التعامل مع أصحاب المهنة هذه- أن أنذل أصحاب سيارات الأجرة في العالم يوجدون في المطارات وأغلبهم لصوص مرتزقة، وقد اتفقنا مع الرجل على مبلغ معين (120 أورو تقريبا التي تعادل 1300 راند)، لكنه شغّل العداد عند الإنطلاق ولما سألناه عن السبب قال أنه إجراء احتياطي تفاديا لحواجز رجال الشرطة وكثرة السؤال، وما إن بلغ العداد علامة 1300 راند التي كانت سندفعها له وكان ذلك في منتصف الطريق ووسط غابة كثيفة حتى ركن السيارة على اليسار وأكد لنا أنه لن يتحرك، بل سيعود إلى بيته في بريتوريا إلا إذا دفعنا قيمة كل العداد عند الوصول، بينما كان عداده يركض بسرعة العداء توفيق مخلوفي ويشير إلى أرقام خرافية.
هدّدنا بالشّرطة وحذار من نصب أصحاب سيّارات الأجرة بالقانون!
مخطط نذل قام به سائق في الخمسينات من العمر أكد لنا أن هذه الأفعال موجودة في كل مكان في العالم، ولجلب المال يمكن استعمال أي وسيلة لتحقيقها حتى المساومة مع رجلين أجنبيين في غابة وفي الأحراش، وما يمكن أن ينجر عنه من سوء بالنسبة له لأنه كان وحيدا وفي مكان شبه خال، وعلى مضض تفاديا للمشاكل قبلنا مقترحه وطلبنا منه السير تفاديا لإشكال أكبر وهو ما فعله، وعند الوصول تفاجأنا بالرجل يطلب دفع أكثر من 200 أورو على أساس أن العداد يشير إليها، مهددا بالذهاب إلى الشرطة والاستدلال بالعداد وهو في حالة عصبية، قبل أن نضيف له 30 أورو إضافية رفعت حصته إلى 150 أورو (حوالي 2 مليون سنتيم مقابل قطع 200 كلم) وهو يتلفظ بكلمات نابية باللغة المحلية، وهي حيلة يجب تفاديها لأن من يركب سيارة بأجرة متفق عليها يجب أن يرفض أن يشتغل العداد، لأن ذلك سيكون أسلوب مساومة قد يقوده إلى الشرطة.
الطّريق إلى روستنبورغ عبر تفرّعات كثيرة وهي مدينة غير مؤثّرة في البلاد
وعبر تفرعات كثيرة، كان السائق يدور ويدور ويغير الاتجاه كل مرة مبتعدا عن الطريق السريع، وهو ما أوحى لنا أننا متجهون إلى قرية، وساورنا الشك للحظات عن وجهتنا لأنه لا وجود لأية لوحات تشير إلى هذه المدينة، ففي الجزائر هناك مدن مثل العاصمة، سطيف، وهران، قسنطينة وعنابة تجد لوحات تشير إليها على بعد مئات الكيلومترات من الوصول إليها، لكننا فهمنا دون أن نسأل السائق المبتز أن الأمر يتعلق بمدينة صغيرة وغير مؤثرة على صورة الدولة ككل، لأنها مجرد ولاية داخلية فقط.
سوق التّحف، محميّة الفيلة ومدينة "الصّن سيتي"… إشارات الاقتراب من الوصول
كانت هناك 3 إشارات تدل على أن الوصول بات قريبا من مدينة "روستنبورغ"، بداية بسوق صغير للتحف التقليدية والتماثيل يتجول فيه أكثر أصحاب الجنسية البيضاء، فضلا عن محمية الفيلة حيث يوجد العشرات من هذا الحيوان الضّخم، بالإضافة إلى مدينة "الصن سيتي" السياحية الرائعة، والتي تبعد عن روستنبورغ بحوالي 40 كلم، وهي مدينة توفر فرصة الاستجمام الرائع بما توفره من ملاه وألعاب مائية رائعة حسب ما يبدو واضحا في الإشهارات الكثيرة لهذه المدينة، سواء في الفندق أو على طول الطريق المؤدي إليها.
حرارة قاتلة في المدينة، 33 درجة ومدينة مشلولة
عند الوصول إلى روستبورغ، كانت الملاحظة الأبرز التي يمكن لأي أجنبي أن يسجلها- كما حصل معنا أمس- هي الحرارة العالية التي تقدر بحوالي 33 درجة، ومعلوم أننا نزور جنوب إفريقيا في فصل الصيف حيث يصعب لأي كان السير طويلا في المدينة، خاصة مع ارتفاعها الشاهق على مستوى سطح البحر (أكثر من 1700 م)، والذي يجعل من الصعب التأقلم فيها، كما اكتشفنا مدينة مشلولة بسبب الحر وعطلة رأس السنة، ما جعلنا نصفها دون شك بمدينة "الأشباح" في أول يوم من العام الجديد، خاصة أن عدد الراجلين كان قليلا.
الفراشات تغزو المدينة والعصافير على كلّ لون ونوع
فضلا عن هذا تفاجأنا بأسراب من الفراشات في المدينة بأعداد هائلة، فسألنا عاملا في الفندق الذي نقيم فيه عما يحصل، فأكد أن الأمر عاد والفراشات تتواجد على طول السنة في المدينة دون أي مشكل، كما أكد لنا أنها تعطي رونقا رائعا للمدينة، لأنه- على حد تقديره- لا يوجد أفضل من هذه الكائنات، لكن صديقا له أكد أن هناك ما هو أفضل منها، وهي العصافير الموجودة بكثرة في روستنبورغ وهي متنوعة الأشكال، وهو ما وقفنا عليه في جولة قصيرة مساء أمس.
أغلب المباني الفخمة في جبل يطلّ من بعيد
ومن بين الملاحظات الأخرى في هذه المدينة هي أن المدينة أصلا مرتفعة عن مستوى سطح البحر كثيرا وتوجد بها جبال، هذه الجبال بنيت عليها الكثير من المباني، ما يجعل من الداخل إلى المدينة يرى من بعيد وعلى طول ما يشبه هضبة سكنات من كل الأنواع والأشكال وحتى الألوان، والتي تجعل منها مدينة فريدة من نوعها، خاصة إذا ما تمعنّا جيدا في نوعية هذه المباني التي يعتبر أغلبها فخما ولا تعود تماما إلا لأصحاب الدخل المرتفع والأثرياء.
مسجد واحد في المدينة، الدخول إليه بـ "الشيفرة" و إمامه من مالاوي
تجوالنا في المدينة الصغيرة تحت درجة حرارة مرتفعة، قادنا إلى المسجد الوحيد فيها إن كان يصلح أن نطلق عليه هذه التسمية، لأنه في الأصل "مصلى صغير" الدخول إليه غير ممكن، إلا من خلال "شيفرة خاصة" يتم الحصول عليها من قبل إدارة المسجد، وبحثنا عن الإمام فتفاجأنا بأنه ليس عربياً وإنما من جنسية إفريقية وتحديداً من مالاوي، بينما يقصد الكثير من الجزائريين المكان لأداء مختلف الصلوات بما في ذلك صلاة الجمعة، ورفع أمس آذان العصر في حدود الساعة الخامسة ونصف والمغرب على الساعة السابعة وتسعة دقائق مساءً.
أردنا سؤال شخص فتفاجأنا أنه لا يتكلم الإنجليزية لأنه حلاق جزائري من جيجل!
وكنا ننوي التنقل إلى مركز "بافوكينڤ سبور أكاديمي" لأجل إلقاء نظرة عليه، لكن غياب وسائل النقل جعلنا نؤجل ذلك إلى اليوم، ولما حاولنا أن نسأل شخصاً باللغة الإنجليزية عن مكان وجود سيارات الأجرة (لم تعمل تماماً أمس إلا السيارات التي تتعامل مع الفنادق وبأسعار خيالية)، فاعتذر صاحبنا وقال إنه لا يتكلم الإنجليزية وإنما الفرنسية والعربية، لنكتشف أنه جزائري من ڤنار بولاية جيجل قدم إلى هنا لامتهان مهنة الحلاقة منذ 15 يوما، وترك رقم هاتفه بحوزتنا لعل وعسى نحتاجه.
أكد أن رابة 200 جزائري يقيمون بـ"روستنبورغ"
وأكد لنا الجيجلي غويل عبد الحليم أنه يقيم مع صديقه من بومدراس، أن عدد الجزائريين في هذه المدينة بلغ قرابة 200، وإن كان الرقم ليس رسمياً فقد ينقص وقد يزيد لكنه أشار إلى أنه عرف في ظرف قصير من إقامته، أن هناك كثيرين من الذين يمتهنون الحلاقة في وسط المدينة، بالإضافة إلى الطبخ والإطعام منهم من يقيم هنا منذ سنوات طويلة، ومنهم من هم حديثو الوجود بمدينة "روسبتبورغ" التي قدموا إليها من مدن أخرى خاصة من بريتوريا.
عشرات الجزائريين فرّوا خلال كأس العالم 2010 وبعضهم لا يزالون "حراڤة" في بريتوريا
وإذا كان الكثير من الجزائريين في جنوب إفريقيا في وضعية قانونية على غرار صديقنا، فقد علمنا من مصادرنا الخاصة أن هناك العشرات من الجزائريين الذين فرّوا خلال كأس العالم 2010 بعد أن تنقلوا لأجل مساندة المنتخب الوطني في "المونديال"، خلال سفرهم مع وكالات سياحية خاصة لكنهم لم يعودوا إلى أرض الوطن، وفضلوا الاستمتاع بالعيش بجنوب إفريقيا خاصة في العاصمة السياسية بريتوريا، التي سحرت الكثيرين منهم وجعلتهم يفضلون الاستقرار بها، لكن الكثيرين منهم لم يسووا وضعيتهم ووثائقهم الإدارية، وهكذا صارت "الحرڤة" من الشمال إلى الجنوب.
ينتظرون "الخضر" ومع المغاربة سيزيلون رتابة "روستنبورغ"
وعلمنا من الجيجلي عبد الحليم أن الجزائريين الموجودين هنا وفي المدن القريبة، ينتظرون بفارغ الصبر قدوم المنتخب الوطني الجزائري إلى "روستنبورغط لأجل إخراج المدينة من حالة الركود التي تعيشها لأنها هادئة للغاية، وتوفر الراحة لسكانها (رغم تطور المدينة اقتصاديا إلا أنها تشبه الريف الباريسي)، كما التقينا مغربياً في جوهانسبورغ أكد لنا أن العديد من أصدقائه بانتظار وصول المنتخب المغربي، ما يعني أن الكرة قد ُتخرج "روستنبورغ" من رتابتها.
المطاعم الحلال متوفرة فضلا عن kfc و mc
ولما بحثنا عن مطعم، كان سؤال واحد كفيل بأن يقودنا إلى العديد من المطاعم المفتوحة، والتي تقدم وجبات حلال بعضها لمالكين عرب وآخرين من جنسيات أخرى يطبخون كل ما لذ وطاب من أشهى الأطباق العربية، كما اكتشفنا سلسلة المحلات العالمية "kfc" وكذلك "mc ماكدونالد"، ما يعني أن الأكل لن يطرح أي مشكل بالنسبة لأنصار المنتخب الوطني في حال سيحضرون إلى هنا، رغم أن الأخبار تشير إلى أن روراوة أصر على أن تكون إقامتهم في بريتوريا أو جوهانسبورغ، حتى لا يؤثروا في تركيز المنتخب الوطني المقبل على المشاركة في دورة قارية كبيرة.
نسبة الجريمة قليلة وبنايات كثيرة مسيّجة بالكهرباء يمكن أن تكون قاتلة
ومن المعلومات التي رصدناها أمس في مدينة "المناجم"، أن نسبة الجريمة قليلة بها مقارنة بمدن أخرى مثل بريتوريا، كما أن السرقة قليلة وإن كان هذا لا يمنع الأجانب من الحذر والاحتياط الدائم، وهي من أبرز النصائح التي يتلقونها عند زيارة جنوب إفريقيا، وقيل لنا كذلك إنه في روستنبورغ يجب الحذر كثيرا من "الفيلات" الفخمة و تفادي الاقتراب منها، لأنها محاطة بسياج كهربائي قاتل لمن يلمسه، وراح ضحية هذه الظاهرة الكثيرون في بلد يحمي حقوق الإنسان ويدافع عنها بشراسة، بعد أن وقف ضد العنصرية البغيضة.
الأوربيون عاشقو الدراجات النّارية الفخمة بقوّة وخلّفوا آثار احتفالات رأس السنة وراءهم
كما لفت أنظارنا تواجد عدد كبير من الأوربيين في هذه المدينة، خاصة السوّاح الذين قصد كثير منهم المنطقة رغم هدوئها لإحياء احتفالات رأس السنة الميلادية سهرة أول أمس، وقد كانت آثار الاحتفالات ظاهرة من خلال المفرقعات والألعاب النارية التي لا زالت بقاياها مرمية على الأرض، فضلاً عن مئات أو آلاف لزجاجات وقارورات الجعّة التي استهلكها أصحابها في احتفالاتهم. كما لاحظنا أن كثيراً من هؤلاء يفضلون ركوب الدرجات النارية الفخمة والمرتفعة الثمن.
.. ومع هذا المدينة نظيفة جداً ولا تقارن تماما بمدننا
وعلى الرغم مما ترك هؤلاء وراءهم، إلا أنه يظهر أن هذه المدينة نظيفة، ولا يبدو لأيّ غريب فيها عندما يوضع وهو لا يدري أين هو، أنه في مدينة إفريقية ليست معروفة في دولتها، لأن كل شيء في مكانه الطبيعي، والنظام هو سيّد الموقف. كما أن الطرقات "تشعل" والإخضرار يسود المكان، إلى درجة أنه لا يمكن تماما مقارنة روستنبورغ بإحدى مدننا الجزائرية، وهنا نتكلم هنا عن النظافة وليس عن العمران أو الإزحام أو شيء آخر يمكن أن ننافس به الآخرين.
لا شيء يوحي بتنظيم كأس إفريقيا بعد أيام في "روستنبورغ"
وإذا كان من الصعب على أي كان أن يسجل كل الملاحظات بشأن مدينة روستنبورغ في هذه المدة القصيرة من الزمن (نصف يوم) لأنها هناك شوارد لا يمكن أن تحصى، فإن الشيء الذي لاحظناه خلال ساعات تجوالنا، أنه لا شيء يوحي بأن هذه المدينة ستحتضن مباريات في كأس إفريقيا، في غياب اللافتات الإشهارية، حيث بحثنا وسألنا دون جدوى وكأن الأمر لا يعنيها، رغم أن قائلاً قد يقول إن أسبوعين كاملين يفصلان عن انطلاق الدورة، لكن الأمر هنا يتعلق بدورة نهائية إفريقية يشارك فيها أقوى 16 منتخباً، والمدينة تحتضن مجموعة كاملة تضم الجزائر وكوت ديفوار وتونس.
"الماركات" العالمية متوفّرة ومحلاّت عرض السيارات العالمية في كلّ مكان
وإذا كان البعض يعتبر روستنبورغ مدينة فلاحية فإنها لم تظهر لنا كذلك، لأنها إن كانت هادئة توفّر الأمان لمن يبحث عن ذلك، فإنها أيضا مدينة تجارية وإلاّ لما سجّلنا تواجد العشرات من المحلات التجارية التي تبيع مختلف العلامات العالمية في الأسواق التجارية و الفضاءات المخصّصة، فضلا عن "محلات عرض السيارات الجديدة" وبعلامات "عالمية" وفي مكان واحد. كما لا يبدو تماما أنها مدينة فلاحية مثلما يقال عنها على مواقع الأنترنت، ومن خلال المعلومات الشحيحة التي توفّرها بعض المواقع الإلكترونية.
الكثير من المعلومات التي تقال عن المدينة على مواقع "الأنترنت" غير صحيحة
وما عدا أحوال الطقس، فإن الكثير من المعلومات التي تقال عن المدينة عبر مواقع الأنترنت غير صحيحة وحتى المسافات عبر "ڤوڤل ماب"، لأن الواقع شيء وما يكتب على الأنترنت شيء آخر، فضلا عن وصف المدينة ككل، التي يقال إنها تقع وسط حقول الصافانا وهو غير صحيح، لأن هذه الحقول لا توجد إلا خارج المدينة بعشرات الكيلومترات، فضلا عن معطيات أخرى اكتشفناها بعد أن قرأنا عنها العكس، ما يجعل "ماشي كاللّي يشوف كي اللّي سمع".
أمطار طوفانية أمس بعد حرارة لافحة، وعلى "الخضر" الاعتياد على ذلك
وكانت نهاية يوم أمس الذي كان شاقاً جدا بالنسبة لنا مفاجأة للغاية، لأن درجة الحرارة المرتفعة تحولت إلى أمطار غزيرة لم تتوقف طيلة ساعة من التهاطل المستمرّ، وهو أمر عاد بالنسبة لسكان هذه المدينة الذين يلبسون لباساً صيفياً ويحملون في أيديهم مطاريات خلال فصل الصيف، الذي وفي ظل المناخ الاستوائي يبقى شهراً مطيراً، وهي معلومة ربما لا يعرفها كثيرون. يذكر أن جنوب إفريقيا التي تقع جنوب خط الاستواء تأتي فيها الفصول متعاكسة لتلك التي توجد في الجزء الشمالي من القارة، ومن حسن الحظ أن "الخضر" سيكون لهم وقت للاعتياد على هذا المناخ.
تهاطل الأمطار مساءً صار عادة، وهل ستجرى مباريات "الخضر" في أجواء ماطرة؟
هذا الأمر يجرّنا إلى طرح تساؤل ما دام تهاطل الأمطار ليلاً يحدث دائما وإن كان ليس يوميا، يتعلق بما إذا كانت مباريات الجزائر في الدور الأول ستجرى كلّها أو بعضها تحت تهاطل الأمطار.. وعلى كلّ حال لن يكون ذلك أمراً سيئا، لأن الملاعب هنا ليست على شاكلة ملعب 5 جويلية، كما أن ذلك من شأنه أن ينعش الأجواء أكثر، لأننا نقولها صراحة ومن الآن: من الصعب التدرّب في درجة حرارة مرتفعة خاصة في الصباح وبعد الظهر هنا في روستنبورغ.
سكان المدينة ليسوا مجانين كرة، ومع هذا فرحوا بنا
وفي حديث مع السكان على قلتهم، لم يظهر لنا أن لهم ميولات كثيرة، بل وظهر لنا أن بعضهم أجانب وليسوا أبناء المدينة، وهم ينظرون إلى بعضهم لما سألناهم عن مكان تواجد مركز "بافوكينغ أكاديمي"، كما أنه ورداً عن سؤال يتعلق بما إذا كانوا يتابعون كأس إفريقيا ومن سيشجعون، كانت إجابات الأغلبية من الذين تكملنا معهم هنا وعلى فترات متقطعة من اليوم، أن المنافسة لا تهمهم، ربما لأن المدينة لا تضمُّ فرقاً كروية كثيرة عدا نادي "بلانتيوم ستارز" الذي صعد قبل سنوات قليلة وصار الفريق الوحيد لهذه المدينة في القسم الممتاز، وعدا ذلك لا نقول إلا الحقيقة عندما نكشف أننا أحسننا بالترحاب عند وصولنا إلى روستنبورغ في أوّل يوم من لحاقنا، من خلال فرحة بعض السكان بنا بمجرّد معرفتهم أننا جئنا من أقصى العالم وتحديدا من الجزائر. فهل ستفرح المدينة بـ "الخضر"، هذا هو السؤال المهمّ الذي يجب أن يطرح، وهو جواب نتمناه إيجابياً حتى تفرح الجزائر ككل.