لم يحدث في تاريخ كرة القدم العالمية وأن انتهى بريق فريق ومجموعة لاعبين بنفس السرعة التي أفل بها فريق أم درمان الجزائري الذي خاض تصفيات كأس العالم وكأس أمم إفريقيا 2010 وهو في ثوب المشارك الوديع الذي يبحث عن المشاركة في كأس أمم إفريقيا بعد أن غاب عنها في نسختين كاملتين، ليقلب الطاولة على البطل الإفريقي لنسختين المنتخب المصري، ويتأهل في مغامرة كانت شبيهة بالأحلام بلاعبين كان بعضهم يشارك في رابطة أبطال أوربا مع أنديتهم مثل كريم زياني مع ناديه الألماني فولفسبورغ ومجيد بوڤرة مع ناديه الأسكتلندي غلاسكو رانجرز وفي الأوربا ليغ مع رفيق حليش مع ناديه البرتغالي ماديرا ومراد مغني مع ناديه الإيطالي لازيو روما قبل أن يلتحق بهم رايس مبولحي بعد المونديال مع ناديه البلغاري سيسكا صوفيا.
ولأول مرة في تاريخ كرة القدم يرتفع فريق بسرعة البرق وينطفئ بسرعة أكبر إلى درجة أن رائحة أم درمان غابت نهائيا في لقاء البليدة الأخير امام رواندا، إذ لم يشارك أي لاعب كان أساسيا في مباراة أم درمان التي لن ينساها المناصرون والجزائريون عموما، عندما لعبوا مباراة بطولية نادرة فكان 80 بالمائة من اللاعبين مصابون، ومع ذلك قارعوا أبطال إفريقيا وفريق النجوم المنتخب المصري وزلزلوا عرش حسني مبارك ونجليه في مباراة أخذت بعد نهايتها بهدف عنتر يحيى أبعادا سياسية واقتصادية، وقيل حينها أنها من أخطر مباريات الكرة في التاريخ، وحتى لا ينسى الجمهور الجزائري الكروي وهو بالتأكيد لم ينس، فإن حارس الخضر في أم درمان الذي عوض الوناس ڤواوي المعاقب بعد مواجهة القاهرة كان فوزي شاوشي وكلاهما كانا غائبين في البليدة في اللقاء الأخير أمام رواندا، ودافع عن حظوظ الفريق في الخط الخلفي عنتر يحيى وبوقرة وحليش وبلحاج وجميعهم غابوا عن مواجهة رواندا، كما لعب في خط الوسط زياني ومغني ويبدة ومنصوري وغاب جميعهم عن مباراة بداية الأسبوع الحالي.
وفي الهجوم اعتمد سعدان على الثنائي صايفي وغزال ولحق الثنائي بالغائبين الآخرين، وحتى الذين أقحمهم سعدان في الاحتياط في تلك المباراة التاريخية لم يشاركوا في اللقاء الأخير وهم مطمور وغيلاس وزاوي، أي أن الأمر لم يكن بنسبة مئوية مرتفعة وإنما كاملة أي مائة بالمائة، رغم أن جميع لاعبي مباراة أم درمان بما فيهم رفيق صايفي مازالوا ينشطون لحد الآن رغم أن منصوري وصايفي وحدهما من تجاوز سن الثلاثين، بينما يحتفل أربعة آخرين بعيدهم الثلاثين خلال عام 2012 الحالي وهم زياني وبوقرة وبلحاج وعنتر يحيى، والبقية من أساسيين واحتياطيين مازالوا في العشرينات من العمر ومنهم من هم أقل سنا من لاعبين محليين استدعاهم المدرب البوسني خاليلوزيتش، وتكمن غرابة الظاهرة في كون التغيير لم يضر بصيرورة المنتخب الوطني رغم أن المدرب السابق رابح سعدان كان قد جعل بعض مقاعد المنتخب الوطني من دون نقاش في اصحابها، حيث كان يشرك زياني وعنتر يحيى وبوقرة ومغني وهم مصابون على أساس أن تعويضهم مستحيل، واللاعب كريم زياني كان يقول للصحافة أنه سيلعب مباراة القاهرة أو أم درمان أو كأس العالم ضد انجلترا وسلوفينيا والولايات المتحدة الأمريكية حتى ولو كان برجل واحدة فقط.
وإذا عدنا إلى تاريخ المنتخب الوطني الذهبي نجد أن رابح سعدان عندما خلف المدرب الكبير محي الدين خالف في مونديال المكسيك، أي بعد أربع سنوات كاملة وليس سنتين فقط، كما هو الشأن حاليا بين فترة سعدان وفترة خاليلوزينتش ترك أعمدة الفريق من دون المساس بها وراهن على تدعيمات خفيفة، فمباراة الخضر الشهيرة ضد المانيا الإتحادية في 16 جوان في خيخون الإسبانية عام 1982 ومباراة غوادالاخارا الميكسيكية في 29 جوان 1986 ضد البرازيل ضمت ستة لاعبين أساسيين شاركوا في المباراتين وهم محمود قندوز ورابح ماجر وصالح عصاد ونورالدين قريشي ولخضر بلومي وفوزي منصوري، وتم إقحام جمال زيدان في الشوط الثاني أمام البرازيل كلاعب سابع، وكل هؤلاء السبعة كانوا أساسيين في مباراة خيخون قبل أربع سنوات كاملة، أي ثلثي التشكيلة الأساسية ضمن استمرارية فشلت في تحقيق نفس نتائج دورة إسبانيا، وحتى بقية اللاعبين مثل قاسي السعيد الذي لعب مونديال المكسيك بالكامل كان قد شارك في تصفيات مونديال 1982 ولكن خالف استبعده من رحلة إسبانيا، وهي نفس الملاحظة عن المحترف مجادي وبن مبروك اللذان شاركا كأساسيين ضد المنتخب البرازيلي، ولم يغامر سعدان إلا بثلاثة لاعبين جدد هم الحارس نصرالدين دريد والمدافع مغارية فوضيل وجمال مناد، وكانت أعمارهم قد تجاوزت 26 عاما، وشارك غالبيتهم في تصفيات مونديال 1990 التي توقفت في النفس الأخيرة في القاهرة بمعنى أن الكثير منهم كانوا سيشاركون في كأس عالم ثالثة لو حقق أشبال لموي، ثم كرمالي التأهل إلى إيطاليا 1990، وواصلوا مع الخضر وأحرزوا كأس أمم إفريقيا عام 1990 في الجزائر، ومنهم مناد الذي كان أساسيا في مونديال 1986 وماجر الذي لعب ست مباريات كاملة في المونديالين معا، وكل المنتخبات الأوروبية القوية المشاركة في جوان الحالي في كأس أمم أوربا التي تجري في أوكرانيا وبولونيا والتي لعبت المونديال السابق حافظت على أساس المنتخب مثل إسبانيا التي ستشرك تشافي وإنييستا وبويول وكاسياس وغيرهم من الذين رفعوا كأس العالم الأخيرة، وحتى كأس أمم أوربا الأخيرة منذ أربع سنوات حيث ستشرك ستة أساسيين كانوا قد رفعوا التاج الأوروبي ناهيك عن الاحتياطيين، ونفس الملاحظة على ألمانيا وانجلترا وإيطاليا والبرتغال، وكلها فرق وطنية نافست على كأس العالم الأخيرة، ومرشحة للتتويج بكأس أمم أوربا مما يعني أن ما حدث مع المنتخب الوطني الجزائري هو سابقة فريدة في تاريخ كرة القدم، وقد يشارك الخضر في المونديال القادم في البرازيل 2014 بتشكيلة من دون أي لاعب شارك في المونديال الأخير رغم أن التاريخ يقول أن البرازيلي بيلي شارك في أربعة كؤوس عالمية، والأرجنتيني مارادونا في أربعة كؤوس عالمية وميشال بلاتيني في ثلاثة كؤوس عالمية والقائمة طويلة جدا.
ومع أن عودة بعض اللاعبين للخضر مازالت مفتوحة ومنتظرة ومنهم بالخصوص حسان يبدة المصاب ومجيد بوقرة المنتظر في لقاء مالي القادم وحتى كريم مطمور ومراد مغني وعبد القادر غزال والحارس شاوشي، إلا أن تلاشي تركيبة منتخب رسخ في ذاكرة كل الجزائريين بعد ملحمة أم درمان بهذه السرعة يبقى في حاجة إلى دراسة تقنية حتى لا يختفي سفيان فيغولي ورياض بودبوز أيضا بسرعة وعمرهما من دون الثالثة والعشرين.