اثار مقترح القانون " بمنع النقاب في فرنسا" الذي طرحه الرئيس ساركوزي في خطابه للبرلمان الفرنسي مؤخرا جملة من الانتقادات لدى عدد من العلماء واهل القلم المسلمين فوصفه احدهم بانه "مصادرة لحرية المرأة المسلمة "/ فهمي هويدي، وذهب احدهم الى حد تشبيه ساركوزي بالملا عمر كونه يفرض على المراة المسلمة قانونا يحدد لها نوع ردائها. ووصفه احدهم بانه هجوم عنصري اخر على الجالية المسلمة بعد الهجوم السابق الذي نص على منع الحجاب في مؤسسات التعليم. وللانصاف، نستثني بعضهم ومنهم الشيخ دليل بوبكر، القائم على أمور مسجد باريس والرئيس السابق للمجلس الإسلامي، الذي تفهم الاقتراح وعلق بانه : "يجب أن يكون الإسلام في فرنسا منفتحا مع الآخرين، والسماح للناس بأن يعيشوا معا جنبا إلى جنب". لكن البهجة والمرح وحب الاختلاط مفردات، وهذا واقع حال، لاتجد لها، نغمة مريحة في آذان الجمّ الاعظم من علماء الاسلام وفقهائه ولا في نفوسهم. فالنكد والتجهم وكراهة الاختلاط صفات موغلة في سرائرهم، لا ينفكون عنها حتى تكف الابل عن الحنين.
النقاب شائع في بعض بلاد الاسلام ترتديه المرأة زيادة ومبالغة في الحشمة وتوسعا في الحجاب الذي هو غطاء شعر المرأة "مسكن الشيطان" كما يرد في التوراة ويشيع في الادبيات الاسلامية.. ومثلما تختلط التقاليد بالدين في كثير من الحالات صار النقاب لدى بعضهم سنة اسلامية وشرعة رغم اجماع علماء المسلمين وفقهائهم، اللهم الا جماعة طالبان، على انه ليس فرضا في الاسلام. بل تركة تقاليد غابرة لم تسنح لنا فرصة الوقوف على مصادر تبين منشئها وموطن ولادتها.
لكن الشائع عن النقاب او البرقع ومن اسمائه الاخرى اللفام واللثام والوصوصة انه يوضع في خمسة مواقف:
اما للسطو على بنك،
او في غمرة سموم الصحراء وعجاجها،
او في حالات الاصابة بالجدري او الجرب ابعد الله عنكم كل مكروه. وبالمناسبة الطريفة، كلمة النقاب مشتقة من النقب، والنقب هو الجرب كما يرد في لسان العرب ومنه المنقب اي المصاب بالجرب)*
اما الموقف الرابع ، فعلى وجوه منفذي عمليات الاعدام او الجلد العلني الذي يستعاد بقوة في جمهوريات الاسلام هذه الايام..
اما الموقف الخامس والاخير لهذا الزي، المثير جنسيا اذ انه يفتح باب التخيل واسعا، علما ان المصدر الاساس لاثارة شهوة الجنس هو مناطق التخيل في الدماغ كما تشير العلوم الحديثة، فهو عمليات الاغتيالات والاختطاف التي شاعت في العراق وافغانستان ووصلت الينا والى العالم كافة عبر اشرطة الفيديو في الفضائيات.
لا تتوفر لدينا للاسف الشديد احصاءات عن النسوة المنقبات فيما اذا كان النقاب يمثل اختيارا شخصيا بارادتهن او فرضا من ذويهن او بعولتهن. لكن خطاب ساركوزي يمثل، اذا ما نظرنا اليه بحياد وعقل، انصافا للمرأة المسلمة واحتراما لحقها في الحياة، ولو كان للمنقبات من خيار وقدرة لخرجن، على الاغلب، في مظاهرات تأييد للرجل. اذ ان الفطرة الانسانية السليمة تؤكد انه ليس من انسان سوي العقل والنفس يرضى بان يكون غمامة سوداء معتمة وشبحا غير مرئي، كما تحيلنا هيئة المرأة المنقبة الى نماذج الاشباح في الافلام. فالوجه هوية الكائن وعلامة حضوره ودليل شخصيته. فانْ يكون المرء موجودا هو ان يكون منظورا اليه كما يقول ابن عربي " اذا لم يكن ناظرٌ فما ثمَّ منظور اليه" او على حد تعبير بورخس الاعمى " ان يوجد المرء هو ان يُرى".
اضافة الى ذلك فان النقاب يرتبط بجانب مهم في الحياة اليومية للبشر ألا وهو الجانب الامني. فلا احد يشعر بالامان حين يسير في الشارع والى جانبة كائنات متحركة لا يعرف أبشر هي أم كائنات هبطت من كواكب اخرى، ام انها عصبة من "رجال" تتهيأ لاغتيال او اختطاف احد ما أو للسطو المسلح على احد البنوك أو المحال التجارية. ومن ابسط الحقوق المدنية للانسان هى ان لا يكون في موضع يشعر فيه بتهديد محتمل متواجد على مقربة منه.
ورد في خطاب ساركوزي ان "النقاب ليس رمزاً دينياً، لكنه رمز لإذلال المرأة". واشار الى ان المنقبات هن " نساء سجينات خلف سياج ومعزولات عن أي حياة اجتماعية ومحرومات من الكرامة". وعلى علماء المسلمين ومفكريهم انصافا لانفسهم واشفاقا على اتباعهم ان يتخذوا من كلمات ساركوزي منهاجا لافكارهم وحياتهم فهو يحررهم من اغلالهم ومن العزلة عن بقية الوان المجتمع وطوائفه ويمنحهم احترام الاخرين. اما ذلك الرجل الذي يقبل او يفرض على حريمه ان يتلفعن بجدران متحركة من قماشة فهو بلا شك إما انه سائر على فطرة عمياء من سنة الاولين دون انتباهة منه او لانه يعاني من امراض نفسية ولم يتهيأ بعدُ لعلوم النفس والوقوف على طبيعتها او ايجاد اسم لها. وفي كلا الحالين يتوجب اما ايقاظه من سباته او طرحه على سرير العلاج. ونقترح على اولئك الرجال القوامون ان يضعوا انفسهم في مكان تلك النسوة، اي ان يجربوا ارتداء النقاب والمشي في الشوارع العامة، كي يتسنى لهم الوقوف على طبيعة المشاعر التي تتملك من ينظر الى الحياة من وراء كوة عرضها مساحة العينين.
ان تنظر الى العالم من وراء ثقب هو السجن، او الجحيم بعينه كما يصوره هنري بارباروس في روايته المعروفة "الجحيم". ومن يسجن احدا دون سبب يكون هو ذاته السجين.
اللهم ارفع عنا عتمة النقاب وظلم الشباب وبلوى الجراب**.
* ورد في لسان العرب التالي:
" والنُّقبُ: القِطَعُ المتفرّقة من الجَرَب، الواحدة نُقْبة؛ وقيل: هي أَوَّلُ ما يبدو من الجَرَب؛ قال دُرَيْدُ بن الصِّمَّةِ:
مُتبَذلاً، تَبدُو مَحـاسِـنُـه يَضَعُ الهِناءَ مواضِعَ النُّقبِ
وقيل: النُّقب هوالجَرَبُ عامّة؛ وبه فسر ثعلب قولَ أَبي محمدٍ، الحَذلمِيِّ:
وتَكْشِفُ النُّقْبةَ عن لِثامِها".
** لا وجود لكمة الجراب بمعنى الجرب في العربية ، بل تعني الكيس، لكنا ارتأينا اضافة الالف تساوقا مع السجع، اضافة الى انها شائعة في الكلام المحكي بمعنى الجرب، وعليه اعتمدنا.