برمجيات امين نات
نرحب بك زائرنا الكريم اتمنا لك ان تكون في تمام الصحة والعافية منتديات برمجيات امين نات قم بالتسجيل من فضلك
برمجيات امين نات
نرحب بك زائرنا الكريم اتمنا لك ان تكون في تمام الصحة والعافية منتديات برمجيات امين نات قم بالتسجيل من فضلك
برمجيات امين نات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

برمجيات امين نات

برمجيات امين نات حرر ابداعك
 
مجلة المنتدىالرئيسيةبوابة برمجيات اأحدث الصورالتسجيلدخول

IP


 

  **حنين وأمل**بقلمي**الجزء الثاني والعشرون:**حالة هند**

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
amine 2011
مدير منتدى برمجيات امين نات
مدير منتدى برمجيات امين نات
amine 2011


الفعلية :
 **حنين وأمل**بقلمي**الجزء الثاني والعشرون:**حالة هند** Left_bar_bleue50 / 10050 / 100 **حنين وأمل**بقلمي**الجزء الثاني والعشرون:**حالة هند** Right_bar_bleue

الوفة :
الابراج الابراج : الجوزاء عدد المساهمات : 3295
تاريخ التسجيل : 13/12/2011
العمر : 34

 **حنين وأمل**بقلمي**الجزء الثاني والعشرون:**حالة هند** Empty
مُساهمةموضوع: **حنين وأمل**بقلمي**الجزء الثاني والعشرون:**حالة هند**    **حنين وأمل**بقلمي**الجزء الثاني والعشرون:**حالة هند** Emptyالسبت ديسمبر 17, 2011 11:19 am

حنين و أمل

الجزء الأول

...هل يمكن أن تفعل شيئا فضيعا في حياتك ولا تحاسب عليه؟هل يمكن أن تنسى ما فعلته دون أن يؤثر على حياتك بعده؟ هل يمكن أن لا يكتشفه أحد ويظل لغزا في أذهان الناس؟ بينما تعرف أنت تفاصيله وتبقى في كتمان ؟ وفي تلك الظروف هل ستقدر أن تكفر عن ذنبك ؟ والأهم من ذلك، هل ستستطيع يوما ... أن تسامح نفسك؟

*******

"امسحوا الأطباق جيدا،نحن لا نرضى بأن يترك أحد قليلا من طعامه في الطبق، هذا أمر!"

"السيدة جليلة تصرخ بوجه مجموعة من الأطفال الجدد في دار الرعاية، إنها كالعادة طريقتها في إظهار صرامة القواعد في هذا المكان، مع أن أولئك الأطفال ، حين يعتادون على الأمور هنا مثلنا ، ستبدو لهم هذه الدار مختلفة تماما . لقد عشت هنا منذ ولادتي ، أعرف كل صغيرة وكبيرة ، أعرف من ترك المكان منذ جئت، أعرف كل من جاء، كل من سيغادر، و... كل من لن يغادر .أولئك الأطفال الجدد ،البعض منهم بل أغلبيتهم قدموا إلى هنا بعد الزلزال الذي ضرب في الساحل الغربي منذ أسبوعين ، الكثيرون فقدوا عائلاتهم في مثل هذه الحوادث ، والبعض فقدوا ممتلكاتهم فلم يجدوا مأوى غير هذا . مجموعة الأطفال الآخرين تتنوع أسباب قدومهم من هرب من المنازل ، أو من فقر مدقع ، أو حتى من أمراض عقلية . السيدة جليلة هي مديرة المركز، إنها امرأة كثيرة الصراخ، وطباعها سيئة، لكنها تقوم بعملها بشكل جيد، وقراراتها كثيرا ما تكون عادلة. العمال هنا تغمرهم المشاكل من حافة الرأس إلى أخمص القدمين، حتى أنني أحيانا أظن أن وضعهم أسوأ من وضع الموجودين هنا، وهذا أمر لا غرابة فيه، فلولا مصاعب الحياة لما كانوا يعملون في مكان كهذا."

"ربما لا يجب أن تقولي هذا، أنت لا تعلمين مقدار الأجر الذي يكسبونه "

"الكثيرون يقولون هذا، لكن الله أعلم إن كانوا يعنون ما يقولونه .

لم يبق في هذا الوقت أناس يعملون لكسب الأجر، الجميع يبحثون عن أعمال تكسبهم أموالا أكثر ، كلهم يبحثون عن فرصة لزيادة الربح، وأنا لا ألومهم على أية حال، خاصة بمثل هذه الأسعار المرتفعة لكل شيء ."

"أيوفرون احتياجاتكم كلها هنا؟"

"أظن ذلك ، أجل...، لكن معظم ما نرتديه أو نأخذه للمدرسة، هو صدقة من أناس أوفر حظا ..."

"أأنت غاضبة من هذا المكان ؟"

"ماذا... لا ...، أعني ... لقد كنت غاضبة، ليس الآن ، لكن ...الأسبوع الماضي ...عندما مات ذلك الصبي ...، اسمه وليد ... شخص ما دس له الحبوب في القهوة، ترك عائلته وهرب يلاحقها ، حتى انتهى به المطاف هنا مصابا بنزيف داخلي جراء شجاره مع أحد صبيان المافيا، يبدو أنه لا أحد انتبه لإصابته هذه ، ...بكل الأحوال ، هو قد مات ...، وعمره لا يتجاوز 12 سنة ، هنا أمامنا، لم يترك شيئا سوى درس لنا جميعا بأن نزيد حذرنا أكثر عندما نخرج من هذه الجدران ، البعض منا يسلكون تلك الطريق المنحرفة ، دون علم مديرة المركز أو زوجها السيد عمران "

"ولكنكم تعلمون بأمرهم ، ألم تحاولوا إيقافهم ، ربما إن أخبرتم المسؤولين عنهم سيفيدهم ذلك "

"ربما تريد طرح السؤال بطريقة أخرى : لقد كنت هنا منذ ولادتك ، أليس القاطنون هنا بمثابة عائلتك ؟ ألا تحسين بواجب نصحهم؟...لأكون صريحة ...لا ، هذه ليست عائلتي لم تكن كذلك أبدا ...، ولن تكون، دار الرعاية مجرد محطة يتوقف عندها القطار حاملا مجموعة من الناس يستريحون من أعباء الحياة وقسوتها، ثم يواصلون رحلتهم في قطار آخر، ولا يتركون أحدا فيها، لا يجب أن يبقى فيها أحد، لأنها لا تحمل مستقبلا. في النهاية ...يجب أن نركب القطار ، لا فائدة من التعلق بأشخاص سيرحلون ..."

"بطريقة ما ، كلامك صحيح إنه ليس واجبك ، أنت فتاة صغيرة ، واجب الإصلاح يقع على عاتق أشخاص آخرين . ولكن كرجل يفوق عمره الخمسين ، علي أن أخبرك أن الحياة كلها محطات، إن أردت فعل الخير فيها، عليك أن تحاولي مساعدة كل من تمرين بهم".

"معك حق في هذا، لكن يبقى القرار الصائب هنا هو اختيار الأنانية."

"حسنا ...أنا ...لم أتطرق بعد للموضوع الذي جئت من أجله"

"تفضل أنا أسمعك "

"بما أنك جئت على ذكر القطار، ما رأيك أن تكوني أحد راكبيه "

"هل تحاول أن تعرض علي شيئا ما لست أفهمك ؟"

"أمل ...هل تقبلين أن أكفلك؟"

"ماذا...؟."

الجزء الثاني قريبا بقلمي:"إما"

13:17 - 2011/12/16: آخر تغيير للنص بواسطة دمعة مخضرة
عدد مرات تغيير النص: 6

دمعة مخضرة
09:17 - 11/12
الجزء الثاني

"لقد أخبرتك منذ فترة أنني أملك ثانوية خاصة للفتيات، علاماتك ممتازة، نحن بحاجة لتلميذة مثلك، ونعدك بأن نوفر لك كل ما تحتاجينه هناك، ما رأيك؟"

"ماذا؟ ...لا يمكنك أن تقترح شيئا كهذا أنا لا أعرفك جيدا حتى !"

"ذلك ليس مهما لقد أحضرت الأوراق من البلدية، كل ما أحتاجه هو موافقتك، و إمضاء المسؤولين"

"صحيح! المسؤولون!لهذا سمحوا لك بالدخول، لقد أخبرتهم أنك تفكر في أن تتبناني، يا للحمقى..."

"أظنهم يفكرون بمصلحتك، بقيت هنا طويلا ، الأفضل لك أن تغادري بحثا عن مستقبلك ، كما غادر الكثيرون من هنا."

"أعرف هذا لكنني أخبرتهم بأنني أنوي أن أبني مستقبلي وحدي ، سأجد عملا ، وأدرس في ثانوية عامة ، بعد سنوات من الدراسة سأستقل وأخرج من هذا المكان ."

" يبدو الأمر سهلا عندما تتحدثين عنه بهذه الطريقة ، ولكنه ليس كذلك ، من الصعب أن تعملي وتدرسي في وقت واحد ، هذا إن وجدت عملا في مدينة كهذه ، أنا أحاول أن أوفر لك ظروفا أفضل، أنت لا تقدرين حجم التكوين الذي ستكسبينه في ثانويتي ، دون أن تقلقي حول المال أو أي شيء آخر ، كما أننا نمنح المتفوقات فرصا أكبر في جامعات لن تحلمي بها إن بقيت هنا"

"...."

"فكري بالأمر يا أمل، سأعود بعد يومين لآخذ الجواب، فكري ...بواقعية"

قال السيد كريم ذلك ثم غادر تاركا أمل لوحدها على الكرسي البلاستيكي في حديقة دار الرعاية ، كان الجو شبه مغيم ، الوضع هادئ باستثناء صراخ السيدة جليلة الذي ظل يتردد في أذنيها : "اغسلوا أيديكم قبل الدخول إلى الغرفة ...اتركوا الأحذية أمام الباب..."، كانت تفكر بينما تتلاعب نسائم الهواء بخصلات شعرها البني المصفر، تفكر فيما إذا كانت تريد أن تمضي المزيد من السنوات تستمع لهذا الصوت. ظنت أمل طوال حياتها أن بقاءها في دار الرعاية هو شيء أجبرت عليه و أنها تمقته بشدة، لكن فكرة مغادرتها كانت غريبة بالنسبة لها ، لقد شعرت بشيء من الحزن ، وأخذت تتذكر ما فعله الأشخاص الذين تعودت رأيتهم من أجلها منذ جاءت، لأول مرة قدرت ما بذلوه من جهود لرعايتها ، حين كانت مريضة ، وكانت السيدة جليلة تبقى مستيقظة طوال الليل لتتأكد من انخفاض حرارتها ... حين كانت مكتئبة بسبب احتقار بعض الأولاد لها ، فكان السيد وليد والسيد جلال الذي يعمل طاهيا ، يقومان بإطلاق الدعابات للتخفيف عنها ...حين كان الجو مضحكا على طاولة الطعام أيام الأعياد ...، أدركت أمل أنها لم تفقد الكثير بسبب غياب والديها ، يمكن للجو العائلي أن يتوفر في العديد من الأماكن ، ويمكن للطفل أن ...يعيش.

///////////////////////////////////

أمل فتاة في الخامسة عشر من عمرها ، يتيمة ، قضت كل طفولتها في هذه الدار التي تحدثت عنها ، قضتها في شقاء وألم ، خاصة بسبب غياب والدين يشرفان على رعايتها، ومن الغريب أن فتاة مثلها ، لديها كل المؤهلات التي تجعلها أولى بالكفالة من كل من هم حولها، إلا أنها لم تحض بفرصة الحصول على والدين، والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى الفقر المدقع الذي عرفته مدينتها منذ زمن طويل ، إضافة إلى تراكم المشاكل الاجتماعية، إلى درجة أن معظم الناس لم تكن لهم استطاعة كفالة أطفال آخرين، هذا إن استطاعوا الاعتناء بأولادهم كما يجب ...

الفرصة التي حصلت عليها من السيد كريم نادرة جدا ، لم تحض بمثلها من قبل ، لكن كبرياءها أنجرح بسبب بقائها دون أهل طيلة هذه الفترة. فهل ستقبل عرضه يا ترى؟

////////////////////////////////

كانت أمل جالسة في مكانها المعتاد خلف شجرة الصنوبر الكبيرة في دار الرعاية، الجو حار في هذا اليوم، لم يكن يحميها منه سوى ظل الشجرة، كانت ترتدي قميصا قطنيا وسروال جينز، يبدو عليهما التلف من كثرة ارتدائهما وبين يديها رواية كلاسيكية تقرأها للمرة الرابعة، من حولها كانت مجموعة فتيات المدرسة الابتدائية يلعبن ويصدرن ضجيجا مزعجا، لكنها لم تكن متأثرة بأصواتهن، ليس لأنها مستغرقة في القراءة ولكن لتعودها عليهن، على شرفة الطابق الثاني كانت مجموعة المسنين مستغرقين في أحاديثهم التي لا تنتهي ، ومن الجانب الآخر لهذه الدار مجموعة الصبيان يلعبون كرة القدم ويصدر عنهم ضجيج لا يقل عن ما تحدثه الفتيات، إنه الجو العام لهذه الدار في النهار ، منذ بدأت العطلة الصيفية . أمل هي الفتاة الوحيدة التي يتجاوز عمرها 12 سنة هناك ، هي الوحيدة التي سترتاد الثانوية في العام القادم، كانت معها فتاة بمثل سنها لكنها غادرت مع أفراد عائلتها بعد هربت من المنزل لفترة طويلة، وبقيت أمل تمضي وقتها وحيدة منذ ذلك الوقت.

اقتربت السيدة جليلة من أمل بعد أن لمحتها في ذلك المكان ، ثم أحضرت كرسيا بلاستيكيا وجلست بجانبها ، لاحظتها أمل وهي تجلس فعرفت بوجود حديث مهم تريد قوله فأغلقت الرواية ثم أطرقت رأسها تنتظر سماعها . قالت السيدة جليلة :"أمل يا ابنتي، منذ أن عرفت أنك أصبحت فتاة ناضجة، لم أعد أتحدث معك حول خياراتك أو أصدر تعليقات حول ما تفعلينه طوال اليوم، حتى أنني لم أعد أسألك عن علاماتك المدرسية، أنا أثق بأن كل ما تفعلينه الآن يصب في مصلحتك، لم تعودي في حاجة إلي أو في حاجة أحد يقيدك بقواعد أنت في غنى عنها. وأرجو ألا أكون قد أخطئت في ثقتي بك."

"بالطبع لا، كل ما قلته الآن عني صحيح، وأشكرك على ثقتك"

"حسنا، لكن في بعض الأحيان أظنك تحتاجين إلى نصائح هذه العجوز التي قد لا تكون أمك، لكنها تفكر فيك كابنة لها"

"بل أنا أعدك في مقام أمي، و أحتاج دائما إلى نصائحك"

"من أجل هذا جئت لأحدثك بشأن العرض الذي نعلم أن السيد كريم قدمه لك."

"آ... أجل كدت أنساه تماما"

"لا أرى أنك تعطين عرضه أهمية كبيرة وهذا ما لم يعجبني ، جئت لأخبرك أن السيد كريم تاجر معروف ومحترم ونحن نعرفه منذ زمن ونثق به لذلك لا تخشي أبدا الموافقة على تبنيه لك ، لن تجدي أفضل منه يكفلك."

"عرفت هذا عندما سمحتم له بالدخول، لست خائفة من تبنيه لي بل أنا أرفض هذه الفكرة."

"لم ترفضينها ؟ أليس هذا ما تمنيته طوال حياتك ؟"

"لا، في الحقيقة تمنيت ذلك عندما كنت طفلة، أما الآن فلم أعد بحاجة لأهل."

"ربما لا تحتاجين لرعايتهم ولكنك بالتأكيد تحتاجين أموالهم ، لا تفكري بالسيد كريم كأب إن شئت ، فكري به كممول"

"هذا يعني أنه لن يكون مختلفا عن الذين يتصدقون علينا أسبوعيا، لم لا أبق هنا و يهتم هو بصرف نقوده علي ؟"

"أمل، ما تقولينه الآن يدل على أنك ما زلت طفلة، لم أتوقع هذا منك، حتى الصغار هنا لن يرفضوا فرصة كهذه، كوني واقعية، إن أردت أن تحققي أي شيء في حياتك فعليك أن تذهبي من هنا، تعرفين هذا جيدا لذلك كفي عن المماطلة !"

قالت السيدة جليلة هذا ثم غادرت المكان وهي تبدو في حالة غضب، أدركت أمل حينها أنها مخطئة ، أدركت أن سبب رفضها للكفالة هو غضبها من بقائها دون عائلة طيلة هذه السنوات، لكنها الآن إن رفضت فلن يندم أحد غيرها على هذا القرار...، لكن الأمر ما زال محيرا !لم هذه الصدفة التي جاءت في هذا الوقت وجعلت السيد كريم يقدم على تبنيها ؟ فكرت أمل بذلك عندما كانت متوجهة إلى غرفة السيدة جليلة لتخبرها بقرارها...

دمعة مخضرة
09:18 - 11/12
أشرقت شمس يوم السبت، أشرقت لتعلن عن صباح جديد ليوم جديد ،وامتدت أشعة هذه الأخيرة لتغمر كل شيء على سطح الأرض، كل زهرة، كل شجرة، كل نبتة وكل صخرة ، امتدت إلى ما وراء الجبال والسهول لتصل إلى نافذة في القطار، إلى عيني أمل، عيناها البنيتان الواسعتان تغمرهما دموع جافة ، أيقظتها تلك الأشعة لتصحو من نومها الذي استغرق عدة ساعات، ثم تستعد ليوم جديد ، هذا اليوم الذي ستصل فيه إلى ثانويتها الجديدة في مدينة أخرى ، هذا اليوم الذي ستودع فيه حياتها القديمة في دار الرعاية، وتبدأ حياة جديدة في العالم الحقيقي، الذي يعيش فيه الناس مرتاحين نفسيا و ماديا ويملكون حرية الاختيار ...

وافقت أمل على عرض السيد كريم شرط أن يمهلها حتى بداية العام الدراسي، والآن وقد بدأ، تنتقل أمل في القطار متجهة نحو ثانويته، حسب ما قاله ستقيم أمل في غرفة وتدرس في نفس المكان، يبدو الأمر مشوقا حيث إنها ستمضي الأعوام القادمة مع فتيات في مثل سنها، وتقريبا بنفس مستواها الدراسي حيث أن هذه الثانوية لا تقبل سوى المتفوقات ...

حين وصلت أمل إلى باب الثانوية وقفت وتأملت في كل ما يوجد حولها بإعجاب كبير، بعد أن ودعت أحد عمال دار الرعاية، الذي قام بتوصيلها.

كانت كبيرة وجميلة، فيها أربع طوابق من حجرات التدريس، ساحة واسعة امتلأت حوافها بأشجار الورود، باستثناء ملعبي كرة القدم وكرة السلة، وقد وضعت في جوانبها كراسي مصنوعة من الخشب، وفي جهة أخرى مبنى كبير مخصص لّإقامة الفتيات ذوات النظام الداخلي مثل أمل، ومبنى آخر به مكتب المدير ومكاتب أخرى إضافة إلى المكتبة.

"يبدو من ملامح هذه الثانوية أنها قديمة ، ولكنها أجمل مكان زرته في حياتي " قالت أمل وهي تحدق فيها وفي المباني المجاورة لها فلفت انتباهها وجود ساحة كبيرة بالقرب منها ، اقتربت لتراها عن كثب ، فإذا هي مقبرة "يا إلهي مقبرة أمام ثانوية !هذا فضيع ! كيف تنام الفتيات ليلا" قالت أمل في تعجب.

لم تبقى سوى خطوات تفصلها عن عبور الباب لكن هناك شيئا منعها من الدخول، إحساس ...إحساس بأن هذا العالم الجديد سيحمل إليها مفاجآت لم تتوقعها من قبل، أو ربما لن تكون فيه أفضل حالا مما كانت عليه من قبل...

تجاوزت أمل عتبة الباب الكبير، نظرت إلى غرفة الحاجب فوجدته في نوم عميق، وقد كان رجلا عجوزا كسا الشيب رأسه. ثم توجهت من فورها إلى مبنى كتب في أعلى بابه : مكاتب، و أخذت تقرأ البطاقات في أعلى الأبواب داخل المبنى حتى وجدت مكتب المدير، كان كل شيء ساكن ولا حركة تدب في أرجاء المبنى خاصة أنه وقت الدوام. طرقت الباب بهدوء فسمعت صوتا من الداخل : "تفضل" عرفت أنه صوت المدير فدخلت .

كان المدير واقفا أمام النافذة يتأمل درس الرياضة البدنية في الساحة باهتمام . يمسك بن يديه سيجارة قد ملأ دخانها الغرفة وكان منظره يوحي بالهيبة .ألقت أمل التحية ثم تقدمت بضع خطوات في الغرفة ،ففوجئت بصوت المدير الذي شاهد انعكاسها في النافذة :"لابد أنك التلميذة التي تبناها السيد كريم من دار الرعاية أليس كذلك؟"

"أجل يا سيدي إنها أنا"

"اسمك أمل ، أمل سعد الدين ، صحيح؟"

"نعم"

"رأيت ملفك ، يبدو أنك متفوقة جدا ، لنا الشرف باستقبال تلميذة مثلك ). قال هذا ثم استدار نحو أمل ، وما إن وقع نظره عليها حتى اتسعت عيناه ! ، وانفتح فمه واهتز بدنه برعشة ردته إلى الوراء ! ، ومن شدة فزعه لم يلاحظ سقوط سيجارته على إحدى أوراق مكتبه فأحدثت فيها حرقا صغيرا . فوجئت أمل بردة فعل المدير فقالت بصوت منخفض مرتجف : (ه..هل من مشكلة ي..يا سيدي؟"

بدا وكأن المدير استيقظ من ذهوله فقال :"أنت... !"

"ماذا؟"

"لا...لاشيء"

ثم صرف نظره عنها واتجه نحو درج مكتبه و أخرج منه بيد مرتجفة مفتاحا صغيرا ووضعه على المكتب ثم حمل منديلا و أخذ يجفف العرق من جبينه وهو يقول :"خذي المفتاح و اذهبي إلى غرفتك في الحال، ستجدين كل شيء فيها".

قرأت أمل على المفتاح :ج4ح13،فقالت:"لابد أن معناها جناح 4حجرة13".ثم توجهت إلى مبنى الإقامة وهي ما تزال مصدومة بهذا الموقف الغريب الذي صادفته في مكتب المدير ، وبدأت تبحث في ذاكرتها عنه ، لكنها لم تره من قبل ، ربما يعرفها هو ولكن من أين ؟ ولم فزع عند رأيتها ؟ هل يعرف فتاة تشبهها؟ طرحت أمل هذه الأسئلة في طريقها إلى غرفتها .

أعجبت أمل بغرفتها ، كانت واسعة ونظيفة، بها ثلاثة أسرة، من المؤكد أن لديها شريكتين في الغرفة، من الجهة الغربية توجد خزانة كبيرة بها ثلاثة أبواب، ومكتب طويل من خشب فوقه مجموعة من الكتب، ومن الجهة الشرقية يوجد باب الحمام .لم تكن أمل لتحظى بغرفة كهذه،

بالنسبة لها هي فخمة جدا ، لاحظت الجدران فوجدت عليها عشرات الصور ملتصقة بطريقة عشوائية وأنيقة ، كان على أحد الأسرة غطاء زهري اللون وعليه عدة دببة محشوة ، فافترضت أمل أن صاحبته ذات شخصية مرحة، وعلى السرير الذي بجانبه غطاء أزرق اللون ومرتب بعناية ، فافترضت أمل أن صاحبته أكثر جدية . بين السريرين منضدة عليها صورة لفتاتين ملتصقتين فأدركت أمل أنهما زميلتاها في الغرفة .

كان السرير الثالث وهو سرير أمل من دون غطاء، وعلى حافته غطاء مطوي ووسادة لونهما أصفر ، قالت أمل عند رأيتها لهما :"ما هذا ؟ ذوق السيد كريم سيء جدا !"، ثم لاحظت على المنضدة المجاورة لسريرها مفتاحا صغيرا فأدركت أنه مفتاح الخزانة الخاصة بها ، ففتحتها ووجدت بها الكتب المدرسية وحقيبة ظهر بها الأدوات اللازمة وكذلك الزي النظامي للمدرسة ."حسنا إذن لاحاجة للأغراض التي أحضرتها معي"قالت أمل وهي تتفحص أوراقا وجدتها في جيب الحقيبة المدرسية ، بها التوزيع الأسبوعي وقانون الثانوية وشبه خريطة توضح معالمها.

عندما وصلت الساعة إلى الثانية عشرة ، انتهى الدوام المدرسي للفترة الصباحية ، وحان وقت الغداء . ارتدت أمل ملابسها النظامية وهي قميص أبيض و سترة وتنورة بلون أزرق ، كانت أمل قد ذهبت منذ فترة إلى الخياط الذي أخذ مقاسها من أجل هذا الزي مع السيد كريم ، لذلك كان يناسبها تماما ، ثم سرحت شعرها الذي لا يزيد طوله عن كتفيها وتركته مسدولا ، ثم أخذت نفسا عميقا واتجهت نحو المطعم الذي يقع أسفل مبنى الإقامة كما توضحه الخريطة .

دخلت أمل إلى المطبخ بخطوات بطيئة و أخذت تمسح بنظراتها المكان لتفهم تصميمه العام ، الطاولات والكراسي تملأ المكان وماعدا ذلك توجد سلة كبيرة على يمين الحجرة وضعت بها أطباق الطعام فوق بعضها ، وعلى اليسار توجد نافذة تطل منها امرأة عجوز وتقوم بسكب الطعام للفتيات اللوات كن مصطفات أمام النافذة في خط طويل ، هذا ما لمحته أمل وسط جو من الحركة والضحك والصخب تحدثه التلميذات في كل ناحية من المطعم ،أخذت أحد الأطباق من السلة وتوجهت لتقف في الصف ، أين بدأت الفتيات تلاحظن وجودها وتتهامسن ، أشعرها ذلك بالضيق والخجل فهي لم تعتد أن تكون محط الأنظار .

حين وصل الدور إلى أمل ، أخذت المرأة العجوز البدينة تملأ صحون طبقها في حين كانت أمل تحدق بها ، فاستغربت العجوز ذلك فالجميع هناك يعرفونها ويعرفون أنها تكره أن ينظر إليها أحد وهي تقوم بعملها ، فرفعت نظرها نحو أمل ، وما إن لمحت طيفها حتى ارتجفت ! وارتدت إلى الوراء ! مما جعل الطبق يسقط وينكسر !، فساد السكون بعد تلك اللحظة والتفت الجميع إلى مصدر الضجة...

قالت الطباخة العجوز بصوت يشبه الصراخ في حين كانت أمل منكمشة بعد أن أبعدتها االصدمة بضع خطوات إلى الوراء:"يا إلهي !ماذا أرى ؟"، كان الهدوء يخيم على المكان ولم تسمع في ذلك الوقت غير خطوات شاب يافع يعمل مراقبا وقد اقترب من النافذة ثم قال :"ماذا يحدث هنا؟" ، كانت نظراته ترتد بين أمل والطباخة العجوز التي ما زالت في حالة ذهول وهي تحدق في أمل ، ثم بدأت الفتيات تتهامسن بأصوات منخفضة، ولما لم يجب أحد على سؤال الشاب نظر إلى الطباخة ثم قال:"هل أنت بخير يا سيدة شريفة؟" فاستيقظت عند ذلك من ذهولها ثم قالت :"أ..أنا بخير ، لقد أوقعت الطبق فقط ، لا تقلق سأنظف المكان"، ثم أخذت تجمع قطع الزجاج عن الأرض ويداها ما تزالان ترتجفان ، فلاحظ المراقب ذلك وقال لها :"يبدو أن العمل هنا قد أتعبك ما رأيك أن تذهبي وتستريحي ، سأطلب من منير أن يأتي إلى هنا ليحل محلك"

"لا ، أنا بخير حقا"

لم تستطع أمل أن تحتمل نظرات الفتيات المستفهمة من حولها فغادرت المكان بسرعة، ولما التفت الشاب نحوها وجد أنها اختفت.

دمعة مخضرة
09:20 - 11/12

"مذا يعني برأيك؟"

"لا أعرف، لكن ربما يحاول عقلك تفسير ما أحسست به من خوف أثناء تلك الحادثة."

"ربما، لكن أتصدقين، ما أخافني أكثر في ذلك اليوم هو حارس الثانوية، حين صرخ قائلا أنني شبح ، لم أعرفه في البداية لكنني تذكرته بعد أن فكرت بما جرى هناك"

"ذلك الموقف يشبه ما مررت به مع الطباخة شريفة."

"أجل وكذلك أول لقاء لي مع المدير، سأقتل نفسي لأعرف سبب خوفهم مني عندما رأوني أول مرة".

"لا أظن الأمر مهما، هم لا يعرفونك أليس كذلك؟"

"أجل"

"إذن لا تشغلي بالك، ليس ذلك شيئا يستحق كل هذا التفكير"

تثاءبت هند بعد ذلك ثم أغلقت عينيها وغطت في نوم عميق، لاحظت أمل ذلك فأطفأت النور وأغلقت عينيها رغبة في النوم، لكن شكوكها حول تلك المواقف الغريبة لم تغب عن تفكيرها، حتى بعد طمأنة هند لها.

*******************************

كان ذلك يوم الاثنين، وعلى الرابعة مساء، جلست أمل مع هند وسوسن في المكتبة، إنها أكبر حجرة في الثانوية، رفوف الكتب كانت مستندة إلى الجدران بينما احتلت الطاولات بقية المساحة، إضافة إلى مكتب أمين المكتبة إلى جانب الباب.كانت الحركة تجوب المكان والطاولات شبه ممتلئة، وكان أصغر المراقبين ويدعى همام ينتقل بين طاولات الفتيات ورفوف الكتب، يحضر ما يلزمهن و يأخذ الكتب التي فرغن منها. لقد كان وجهه جميلا، شعره متجعد بلون سنابل القمح، وعيناه عسليتان، إضافة إلى قامته الطويلة، مما جعله محور اهتمام القاعة. و كانت أمل مع هند وسوسن وإحدى زميلات سوسن وكان اسمها مريم جالسات على طاولة واحدة، ينجزن تمارين الرياضيات من كتب اقترضنها من المكتبة، حين توقفت سوسن فجأة وأطلقت زفرة قوية ثم رمت القلم على الطاولة وقالت:"أحس أن رأسي سينفجر، ولم أجد حلا لهذه المعادلة بعد."

أمل:"هل تحتاجين إلى مساعدة يا سوسن ؟"

سوسن:"لا شكرا سأكون بخير."

مريم:"اقبلي المساعدة يا سوسن نحن نعرف جميعا كم تحتاجينها في الرياضيات."

سوسن:"ماذا تقصدين يا مريم؟"

هند:"إنها تعني أنك أكثر فتاة تستطيع الحفظ بسرعة وبمقدار هائل من الصفحات في الثانوية، وربما في العالم، وبالتالي لم يبق لك مكان في عقلك لتفكري في حلول تمارين الرياضيات."

سوسن:"ماذا تقصدين أنت أيضا أنني ببغاء غبي؟"

ضحكت مريم وهند بصوت خافت بعد هذه الكلمات وقالت أمل :"إنهما تمزحان معك، اقتربي لأساعدك على حلها"

ثم أخذت أمل تشرح طريقة الحل بأسلوبها السهل الذي يصل إلى ذهن المتلقي، مما جذب انتباه المراقب همام الذي كان قريبا من طاولتهن، وأخذ يستمع إلى أمل بتركيز واهتمام، في حين قدمت أمل لسوسن عدة طرق لحل المعادلة، وما إن أنهت كلامها حتى سألها همام:"عفوا يا آنسة، من أين حصلت على هذه الطريقة؟"

"تعلمتها في العام الماضي، لم تسأل؟"

"هذا غريب، فنحن لم نتناولها حتى أول عام في جامعة الرياضيات."

"لم أقصد أنني حصلت عليها من مرجع بل اكتشفتها"

"حقا !اكتشفتها !لم أعلم أن أينشتاين يرتاد هذه الثانوية"

"لا يعد ذلك كثيرا بالنسبة لما حققته، أنت لم تر شيئا بعد"

"آه...حقا !وكأنك ستصمدين أمام ماهو أصعب"

"إن كان هذا تحديا فقد قبلته"

"لنبدأ إذا إليك هذه المعادلة..."

أمضت أمل بعد ذلك ساعة مع همام ، يحاول الانتصار على قدراتها الغريبة في حل المعادلات، لكن حلولها تفوق توقعاته في كل مرة ، وكانت أغلبية الفتيات قد تجمعن حولهما لرؤية هذا النزال بين من يفوقهن ذكاء ومعرفة، في حين دخل أمين المكتبة الذي كان قد غادر لإحضار بعض الوثائق، وسرعان ما لاحظ تلك الفوضى حول طاولة أمل، فصرخ بغضب:"ما الذي يحدث هنا؟هذه مكتبة وليست سوقا! عدن إلى غرفكن بسرعة، جميعكن!"

تجنبا لغضب أمين المكتبة حملت الفتيات أغراضهن وبدأن بالمغادرة الواحدة تلو الأخرى، حتى أصبح مصدر تلك الفوضى واضحا، فصرخ الأمين ثانية :"همام !"

"نعم يا سيدي"

"ماذا تظن نفسك فاعلا؟"

"آه...لقد كنت..."

"عد إلى عملك بسرعة، ما دمت لا تزال تحتفظ به !"

"حاضر يا سيدي، حاضر"

ثم غادر همام وأقترب أمين المكتبة من أمل وزميلاتها، ثم قال:"ذلك الشاب يعمل هنا كمراقب وليس أستاذا خصوصيا"

فأجابت أمل:"كيف عرفت أنه كان يدرسنا أنت لم تكن هنا يا سيدي؟"

"يا إلهي!ما هذه الوقاحة، أتتهمينني بالكذب؟"

عند ذلك قالت هند مدافعة عن أمل:"إنها لا تقصد ذلك يا سيدي ولكن..."

فقاطعها أمين المكتبة قائلا:"هذا يكفي لا أريد أن أسمع كلمة أخرى، اتجهن إلى غرفكن بسرعة ما عداك أنت (مشيرا إلى أمل)، ستتجهين حالا إلى مكتب المدير."

رمقت أمل أمين المكتبة بنظرة غاضبة ثم غادرت المكتبة بسرعة وتبعتها الفتيات.

دمعة مخضرة
09:26 - 11/12
الجزء السابع

طرقت أمل باب مكتب المدير، وسمعت صوته:"أدخل"، ثم دخلت وحيته.

"اجلسي يا أمل، لقد أخبرني السيد محمود بما فعلته في المكتبة اليوم، وأظنه تصرفا غير لائق بتلميذة في مثل مستواك الدراسي"

قال السيد شاكر وهو يميل بكرسيه المتحرك يمينا وشمالا موجها نظره نحو أوراق مكتبه، متظاهرا بالاشغال بها.

فأجابت أمل :"ما هو التصرف الذي تقصده، المنافسة مع المراقب أم محاولتي للدفاع عن نفسي أمام أمين المكتبة."

"لا تحاولي إظهار نفسك على أنك بريئة، تعرفين أن ما قلته كان كلاما وقحا"

"ولكنه كان يحاول إهانتي !لا أستطيع السكوت على ذلك"

"تقصدين أنك لم تتعودي على السكوت على ذلك، لكن ستتعودين عليه هنا إن أردت البقاء لفترة أطول"

قال السيد شاكر ثم نظر إلى أمل طويلا مما أشعرها بالارتباك، لكنها قالت بعد أن صرفت نظرها عنه :"أتعلمون الفتيات هنا السكوت عن حقوقهن؟"

"بل نعلمهن تجنب الوقاحة والدفاع عن حقوقهن بطريقة عصرية ومهذبة، لا أظن أن هذا سيكون صعبا عليك يا أمل، صدقيني، ستحتاجين إلى حسن التصرف والمعاملة الجيدة للناس في حياتك كلها وليس فقط هنا." قال السيد شاكر بصوت أكثر هدوء.

"حسنا أنا آسفة، لقد كان ما قلته وقحا فعلا" أجابت أمل بنبرة ندم.

"هكذا أفضل...لكن لا يزال عليك الاعتذار إلى السيد محمود ، و... أنت معاقبة لمدة يومين ستحتجزين لأربع ساعات."

بعد هذه الكلمات عادت نوبة الغضب إلى أمل، فقالت:" ولماذا العقوبة، لقد اعترفت بخطئي؟"

"أجل لكنه القانون وهو يطبق على الجميع، يمكنك الذهاب الآن."

همت أمل بالمغادرة لكنها توقفت في منتصف الطريق ثم استدارت نحو السيد شاكر قائلة :"أنت لا تظن أنني رفضت تلك العقوبة لأنني أعتبر نفسي مختلفة عن بقية الفتيات بما أنني متبناة من طرف صاحب عملك ، أليس كذلك؟"

"لا، حين قلت إن القانون يطبق على الجميع قصدت أنه لا توجد حالات لا يطبق فيها."

"حسنا سأذهب الآن..."

"انتظري، هناك شيء آخر، لا أريدك وزميلاتك أن تتحدثي مع المراقبين خارج نطاق الضرورة هل أنا واضح؟"

"كما تريد يا سيدي."

**********************************

مع أن آثار الحياة القديمة لأمل ما تزال متعلقة بها مثل خجلها من التحدث إلى الناس، خوفها من أن يعلقوا على مظهرها الذي بدأ يتحسن بمساعدة سوسن وهند لكنه لا يزال بحاجة إلى الكثير من الوقت ليعتدل، و كذلك انعزالها المستمر عن زميلاتها و التحفظ في الحديث معهم. مع وجود هذا في شخصيتها التي بدأت تتكون في هذا السن إلى أنها بدأت تتعود بمرور الأيام على الحياة في هذه الثانوية، بدأت تحس أنها جزء من عالم ما، عالم جميل...

عندما دخل أستاذ الرياضيات إلى صف أمل، وقد كان كثير الشيب والخبرة، جلس على مكتبه في صمت، بينما لم تعره الفتيات انتباها واستمررن بالثرثرة، ثم أخرج من حقيبته المهترئة أوراق الفرض الذي أنجزته الفتيات في الأسبوع الأول، ثم قال بصوت مرتفع:" سنصحح الفرض في هذا اليوم أيتها الطالبات، العلامات لم تعجبني، بأية طريقة كنتن تدرس الرياضيات من قبل؟ طريقة حفظ؟ أتعجب من وصولكن إلى الثانوية بتلك المعدلات!"، بعد هذه الكلمات قالت إحدى زميلات أمل لصديقتها :"ها هو أينشتاين يعلق على إجاباتنا، إنه يكرر هذه العبارات في كل أقسامه"، ثم أضاف الأستاذ وهو يقلب الأوراق بين يديه:"على أية حال سأغير حالتكن هذه بمرور الوقت، و مع ذلك لقد أعجبتني بعض الحلول، لنر... أمل سعد الدين، تفضلي إلى المكتب يا آنسة"، لم تكن أمل تتوقع أن يناديها الأستاذ لكنها تشجعت وتقدمت بهدوء نحو المكتب، كان الأستاذ ينظر إلى ورقة أمل وهو يعلق على إجاباتها :" لديك موهبة نادرة يا ابنتي هلا أعدت لنا تصحيح الجزء الأول"، ثم أخذ قطعة طباشير وقدمها لأمل ، وما إن نظر إلى عينيها ، حتى شخصت عيناه وجمد في مكانه ، وتصلبت أطراف أصابعه، فتكسرت قطعة الطباشير في يده ، قبل أن تتمكن أمل من إمساكها ، وهناك استيقظ من ذهوله، وقدم إلى أمل قطعة أخرى، أما هي ، فلم تتفاجأ كثيرا بهذا الموقف، لقد أصبحت نوعا ما متعودة ، لذلك همت بالإجابة على السبورة بهدوئها المعتاد بعد أن تبادلت النظرات مع هند لفترة قصيرة ، أما بقية الفتيات فلم يعرن الأمر اهتماما، و أثناء بقية الحصة ، ظلت عينا الأستاذ معلقة بأمل...

بعد الدوام، جاء وقت الغداء، كانت أمل تجلس على الطاولة بجانب هند وسوسن ومعهن بعض زميلاتهن، كانت تحرك الملعقة في وعاء الحساء بصفة عشوائية بينما هي في تفكير عميق، انتبهت هند لذلك فسألتها :" أمل! هل أنت بخير؟"

"أجل لماذا؟" قالت أمل وقد استعادت وعيها.

"أنت لا تأكلين."

"آه... لا يعجبني هذا الحساء"

"أتفكرين بما حدث اليوم مع أستاذ الرياضيات؟"

عند ذلك قالت سوسن:" ما الذي حدث معه ؟"

أمل :"انتابه الفزع عند رؤيتي مثل البقية الذين سبقوه بهذا الموقف"

سوسن:"لغز محير، هناك شيء غريب يحصل معك منذ أن جئت إلى هذه الثانوية"

أمل :"لم يعد بإمكانك تجاهل الأمر بعد أن رأيت ما حصل بعينيك يا هند، أليس كذلك؟"

هند :"أجل، أظنك محقة لكن كيف سنعرف سبب ذلك التصرف؟"

سوسن :"لم لا تسألين أحدهم؟"

أمل :"وماذا سأقول: لماذا صرخت حين رأيتني أول مرة يا سيدي؟ سيبدو ذلك محرجا نوعا ما ألا تظنين؟"

سوسن:"اسأليهم إن كانوا يعرفونك من قبل أو يعرفون شخصا يشبهك".

ثم رن الجرس معلنا انتهاء فترة الغداء، فحملت الفتيات حقائبهن وأكملن الحديث في الطريق إلى الخارج :

أمل:"ربما يجب أن أسأل أحدهم، ولكن من؟"

هند:"حارس البوابة رجل غريب وغامض وهو لا يتحدث مع أحد فرصتك ضئيلة معه."

سوسن:"و كذلك الطباخة منيرة مزاجها سيء طوال الوقت ، ثم ألم تري كيف تحدق بك باشمئزاز حين تملأ صحونك ؟"

أمل:"وماذاعن أستاذ الرياضيات؟"

هند:"ذلك الرجل غريب الأطوار، ولا يحب إكثار الحديث مع تلميذاته."

أمل :" يبدو أنه لم يبق سوى السيد شاكر، أظنني يجب أن أتقرب منه..."

"تتقربين ممن؟" قاطع همام حديثهن فجأة، فنظرن جميعا إليه باستغراب في وقت واحد، مما دفعه إلى القول مخاطبا أمل:"آسف على المقاطعة، لكن هل يمكن أن أتحدث معك على انفراد؟"

نظرت كل من هند وسوسن إلى أمل ثم اتجهتا نحو مبنى الإقامة في صمت، ثم قالت أمل :"في الحقيقة، المدير أمرني ألا أتحدث مع المراقبين."

همام:"أعرف ذلك، أمرني ألا أتحدث معكن أيضا لكن ضميري يؤنبني، أردت أن أعتذر لأنك عوقبت بسببي"

"لا عليك، لم تسبب لي مشكلة كبيرة، إضافة إلى أنك كدت تفقد وظيفتك، هذا يجعلنا متعادلين."

"أظن ذلك، على أية حال، إن احتجت أي كتاب من المكتبة سأحضره لك بما أنك لم تأتي البارحة في موعد اقتراض صفك للكتب"

"كيف عرفت ...؟"

"أنا المسؤول عن إقراض الكتب للطالبات هذه الأيام"

"آه...عمل جيد"

"أجل إنه كذلك، نحن... لم نتعرف بشكل رسمي من قبل اسمي همام،20سنة، طالب جامعي في قسم الرياضيات"

"آ، أجل كيف نسيت،اسمي أمل تلميذة في الصف الأول الثانوي، تشرفت بمعرفتك"

"وأنا أيضا"

وبعد ذلك سمعا صراخ أحد المراقبين على الفتيات:" تحركن بسرعة إلى غرفكن لا أريد رؤية أحد في الساحة"

فقال همام:"أظن أن علي الذهاب لا أريد أن أطرد من عملي بشكل نهائي، أو أن أسبب لك المزيد من المشاكل." ثم هم بالمغادرة فقالت أمل:"انتظر، لقد كنت على حق ، أينشتاين يرتاد هذه الثانوية"

"ماذا؟"

"إنه أستاذي في مادة الرياضيات، الكل يناديه أينشتاين"

بعد هذه الكلمات ابتسم همام في وجه أمل ثم غادر المكان بسرعة، وعادت أمل إلى غرفتها والابتسامة مرسومة على وجهها.

دمعة مخضرة
09:28 - 11/12
الجزء الثامن
في ذلك الوقت كانت سوسن وهند لوحدهما في الغرفة، كان الصمت يسود المكان، سوسن تجعد شعرها، وهند تغسل ثيابها في الحمام. أرادت هند أن تكسر حاجز الصمت فقالت:"هل لديك شيء تريدين أن أغسله لك؟"

"لا شكرا كل شيء في مكانه." ثم صمتت قليلا و أضافت:" أمل فتاة لطيفة لكنها غامضة ألا تظنين ذلك؟"

"ربما، لكننا لم نتعرف عليها جيدا لا تنسي ذلك."

"أنا أقول ما أحسست به، إنها تقول أنها لا تعرف سبب خوف الأساتذة من رؤيتها لكن كيف نتأكد من صحة كلامها، أعني أننا أعطيناها ثقتنا على الرغم من أننا لا نعرف شيئا عن حياتها السابقة"

"أنا أصدقها، لا تنسي أن السيد كريم قد تبناها، لا بدأنه سأل عنها قبل أن يفعل ذلك، وإلا لما أقدم على وضعها بين فتيات الثانوية التي تعتبر حياته، لا أشك بها، هي فقط على غرار بعض الناس، تعرف ما تفعله، إن كانت تخفي شيئا فستخبرنا في الوقت المناسب."

"إلام تلمحين يا هند؟"

"لا شيء"

"بلى لقد قصدت أنني لا أعرف ما أفعله ، أتظنينني غبية بسبب ما حصل معي من قبل"

"لا تبدئي، أرجوك"

"لست أنا من بدأ، هل بحت لك أسراري لتسخري مني؟"

"ما الذي تقولينه الآن، أنا لا أسخر من أحد، لكنني لا أحب حين لا يستمع الآخرون إلى نصائحي"

"ربما كنت سأستمع لو لم تكوني مليئة بالكلام الفارغ"

"وكأن كلامك وتصرفاتك لها أي معنا، لقد زدت الأمور سوء في آخر مرة تعرضت لمشكلة، ولن أستغرب إن فعلت ذلك ثانية."

بعد أن قالت هند ذلك حملت سوسن حقيبتها وخرجت من الغرفة مسرعة في غضب، وبدت على وجه هند ملامح الحزن، لا بد أنها شعرت بتأنيب الضمير بسبب ما قالته لصديقتها.

*******************************

غرفة الاحتجاز كانت كبيرة وفارغة، والبقاء فيها ممل إلى درجة تجعلك تتقيد بكل القوانين لئلا تحتجز فيها .

"لا عجب أن الفتيات هنا لا يتجاوزن القوانين إلا نادرا، سأنتحر قبل أن أصل إلى الساعة الثانية." فكرت أمل بينما وضعت رأسها على الطاولة محاولة النوم، فسمعت فجأة الباب يفتح، نظرت فوجدت أحد المراقبين يقول:"المدير أرسل في طلبك يا آنسة".

جلس السيد شاكر و السيد كريم وأمل في طاولة واحدة، في غرفة السيد كريم التي يمكث فيها أثناء زيارته، في حين وضع المراقب الذي أحضر أمل فناجين القهوة دون أن ينظر إلى أحد منهم، ثم غادر و أغلق الباب وراءه، بينما السيد كريم كان يضع رجلا فوق الأخرى وينظر إلى أمل تارة وإلى السيد شاكر تارة أخرى. ألصقت أمل فمها بالفنجان وأخذت ترتشف القهوة بهدوء دون أن تنظر إلى أي منهما، حتى قاطع السيد كريم هذا الصمت بقوله:"أمل أرى أنك تبدين بخير، أحسن مما كنت عليه سابقا، هل أنا محق؟"

"أجل سيدي، شكرا على سؤالك"

"لقد جئت إلى الثانوية هذا اليوم لتفقد أحوالها، وكذلك لأطمئن عليك، هل أعجبتك الثانوية يا ابنتي"

"أجل، إنها رائعة"

بعد ذلك وقف السيد كريم وتحرك باتجاه النافذة وهو يشعل سيجارته، ثم قال:"يبدو أنك تحظين بإعجاب الأساتذة كذلك حسب ما يقوله شاكر"

نظرت أمل إلى السيد شاكر فوجدت عينيه موجهتين نحو الأرضية، لكن كان مرتاحا جدا في وجود صاحب عمله، أكثر ارتياحا منها هي، ففكرت أنهما ربما يكونان صديقين، ثم قالت :"أنا أبذل جهدي يا سيدي"

"جيد، عرفت أنك لن تخيبي ضني، فتاة مثلك، جميلة وموهوبة ومتفوقة، مكانك هنا، أنت لا تستحقين العيش في دار الرعاية"

"لا أحد يستحق العيش في دار الرعاية يا سيدي" قالت أمل ذلك ثم شعرت بالذنب بسبب هذه الإجابة الوقحة، لاسيما وقد وعدت السيد شاكر بأن تحسن ألفاظها، لكن السيد كريم ضحك من إجابتها بصوته المتعجرف ثم تابع كلامه:" تعجبني صراحتك يا آنسة، لكنني وحسب قدراتي لا أستطيع أن أتكفل بدار الرعاية بأكملها، يكفيني أنني أمول هذه الثانوية منذ زمن، صدقيني، إنها مكلفة جدا، على أية حال، أخبرني شاكر أنك تعودت على عدم الالتزام بالقواعد وما تزال آثار ذلك عالقة بك، أليس كذلك؟"

"تعرف ما يقولون يا سيدي، من شب على شيء شاب عليه"

"حسنا، لكنني أتمنى أن لا يتكرر ذلك ثانية، نحن لن نتساهل معك أبدا."

عند ذلك قال السيد شاكر مدافعا عن أمل :"لا تخف يا سيدي لقد وعدتني أمل أنها ستتغير قريبا، أليس كذلك يا أمل؟"

"نعم، أعدك بذلك"

كريم:"جيد، هكذا ستصبح حياتك أفضل، نحن لا نريد لك سوى الخير، عودي إلى غرفتك الآن، أتوقع منك عملا جادا و نتائج دراسية ممتازة"

"حسنا سأبذل جهدي، إلى اللقاء يا سيدي"

"مع السلامة"

ثم غادرت أمل وتركتهما فقال السيد كريم بعد أن جلس في مقعده ثانية :" راقبها جيدا، أنا المسؤول عنها الآن، وهي لم تتعود على العيش في مدينة أكثر تطورا مثل هذه."

"لا أحتاج إلى توصية. كنت أتحدث لك قبل أن تأتي أمل عن ذلك الشاب الذي يظن نفسه وسيما يا سيدي، إنه محط اهتمام أكثر من نصف فتيات الثانوية"

"هل أنت مجنون يا شاكر حتى تضع فتى في العشرين من عمره داخل ثانوية فتيات، اطرده من العمل عند أول غلطة"

"لا أستطيع فعل ذلك أنسيت أنه ابن السيد جلال، نحتاج ذلك الرجل كثيرا، لم أستطع رفض تشغيله عندما جاء والده إلي، كما أنني أعرف الفتى تربيته و أخلاقه ممتازة."

"في هذه الحالة لا تقلق بشأنه، سيصبح وجوده أمرا عاديا بعد أشهر، الأفضل أن نعود لمناقشة أمور العمل الآن."

*********************************

كانت الفتيات في أقسامهن منشغلات بالدراسة، وكان الهدوء يسكن ممرات الأقسام، حيث لا يسمع سوى صوت الطباشير يقرع على الصبورة للكتابة، أو صوت أستاذ أو تلميذة بالقراءة، وفجأة اخترق ذلك السكون صوت اصطدام أقدام بالأرض، إنها أمل وقد تأخرت عن الصف في ذلك الصباح، فأسرعت تركض إلى القسم وهي تتصور نوع العقوبة التي ستنالها هذه المرة، بينما مرت بقسم أحد الأساتذة الذي قال لتلميذاته:"لن تكون هذه التلميذة مسرورة بتأخرها". ووصلت أمل إلى القسم، كانت هذه أول حصة لأستاذة الأدب مع صفها، حيث كانت غائبة بسبب عطلة مرضية. طرقت أمل الباب ثم دخلت، فشدت انتباه زميلاتها، كانت الأستاذة مستديرة إلى النافذة وتحمل في يدها كأسا بلاستيكيا من القهوة. تقدمت أمل منها بضع خطوات، وما إن استدارت الأستاذة ونظرت إلى أمل حتى فزعت وألقت كأس القهوة على الأرض، وظلت عيناها شاخصتين إلى أمل، فقالت هذه الأخيرة في نفسها:"يا إلهي أنت أيضا تعرفينني!"، إلا أنها هذه المرة قررت أن تسأل فخاطبت الأستاذة:" سيدتي، هل من مشكلة؟"، فاستيقظت الأستاذة من ذهولها ثم قالت:" أنت... ما اسمك يا آنسة؟" فأجابت أمل دون تردد:"أمل، أمل سعد الدين"، فنظرت الأستاذة إلى أمل لوهلة وقد بدت أقل اضطرابا بعد أن عرفت اسمها، ثم قالت:"أنت محتجزة لمدة أربع ساعات بعد الدوام، عودي إلى مكانك"، فتجاوبت أمل تلقائيا:" آه...ليس ثانية"

"هل قلت شيئا؟" قالت الأستاذة وقد بدت عليها الحيرة

"لا لاشيء"

ثم عادت أمل إلى مكانها، في حين كانت الفتيات تحدقن بها وتتهامس، إنهن لم تلاحظن هذه المواقف التي تمر بها أمل بمثل هذا الوضوح من قبل، لقد أصبحت محط شك عندهن الآن. كان مقعد هند فارغا، استغربت أمل أنها لم تكن موجودة. تأخرت أمل هذا الصباح بسبب هند وسوسن، لم توقظها أي منهما، لاحظت أنهما لم تتحدثا معا منذ البارحة، فكرت أنهما ربما تشاجرتا في فترة ما بعد الغداء، لذلك غادرت سوسن إلى حصة الرياضة دون أن توقظ هند والتي من الواضح أنها ذهبت إلى مكان لا تريد لأمل أن تعرفه لذلك تركتها نائمة.

في ذلك الوقت كانت سوسن وهند لوحدهما في الغرفة، كان الصمت يسود المكان، سوسن تجعد شعرها، وهند تغسل ثيابها في الحمام. أرادت هند أن تكسر حاجز الصمت فقالت:"هل لديك شيء تريدين أن أغسله لك؟"

"لا شكرا كل شيء في مكانه." ثم صمتت قليلا و أضافت:" أمل فتاة لطيفة لكنها غامضة ألا تظنين ذلك؟"

"ربما، لكننا لم نتعرف عليها جيدا لا تنسي ذلك."

"أنا أقول ما أحسست به، إنها تقول أنها لا تعرف سبب خوف الأساتذة من رؤيتها لكن كيف نتأكد من صحة كلامها، أعني أننا أعطيناها ثقتنا على الرغم من أننا لا نعرف شيئا عن حياتها السابقة"

"أنا أصدقها، لا تنسي أن السيد كريم قد تبناها، لا بدأنه سأل عنها قبل أن يفعل ذلك، وإلا لما أقدم على وضعها بين فتيات الثانوية التي تعتبر حياته، لا أشك بها، هي فقط على غرار بعض الناس، تعرف ما تفعله، إن كانت تخفي شيئا فستخبرنا في الوقت المناسب."

"إلام تلمحين يا هند؟"

"لا شيء"

"بلى لقد قصدت أنني لا أعرف ما أفعله ، أتظنينني غبية بسبب ما حصل معي من قبل"

"لا تبدئي، أرجوك"

"لست أنا من بدأ، هل بحت لك أسراري لتسخري مني؟"

"ما الذي تقولينه الآن، أنا لا أسخر من أحد، لكنني لا أحب حين لا يستمع الآخرون إلى نصائحي"

"ربما كنت سأستمع لو لم تكوني مليئة بالكلام الفارغ"

"وكأن كلامك وتصرفاتك لها أي معنا، لقد زدت الأمور سوء في آخر مرة تعرضت لمشكلة، ولن أستغرب إن فعلت ذلك ثانية."

بعد أن قالت هند ذلك حملت سوسن حقيبتها وخرجت من الغرفة مسرعة في غضب، وبدت على وجه هند ملامح الحزن، لا بد أنها شعرت بتأنيب الضمير بسبب ما قالته لصديقتها.

*******************************

غرفة الاحتجاز كانت كبيرة وفارغة، والبقاء فيها ممل إلى درجة تجعلك تتقيد بكل القوانين لئلا تحتجز فيها .

"لا عجب أن الفتيات هنا لا يتجاوزن القوانين إلا نادرا، سأنتحر قبل أن أصل إلى الساعة الثانية." فكرت أمل بينما وضعت رأسها على الطاولة محاولة النوم، فسمعت فجأة الباب يفتح، نظرت فوجدت أحد المراقبين يقول:"المدير أرسل في طلبك يا آنسة".

جلس السيد شاكر و السيد كريم وأمل في طاولة واحدة، في غرفة السيد كريم التي يمكث فيها أثناء زيارته، في حين وضع المراقب الذي أحضر أمل فناجين القهوة دون أن ينظر إلى أحد منهم، ثم غادر و أغلق الباب وراءه، بينما السيد كريم كان يضع رجلا فوق الأخرى وينظر إلى أمل تارة وإلى السيد شاكر تارة أخرى. ألصقت أمل فمها بالفنجان وأخذت ترتشف القهوة بهدوء دون أن تنظر إلى أي منهما، حتى قاطع السيد كريم هذا الصمت بقوله:"أمل أرى أنك تبدين بخير، أحسن مما كنت عليه سابقا، هل أنا محق؟"

"أجل سيدي، شكرا على سؤالك"

"لقد جئت إلى الثانوية هذا اليوم لتفقد أحوالها، وكذلك لأطمئن عليك، هل أعجبتك الثانوية يا ابنتي"

"أجل، إنها رائعة"

بعد ذلك وقف السيد كريم وتحرك باتجاه النافذة وهو يشعل سيجارته، ثم قال:"يبدو أنك تحظين بإعجاب الأساتذة كذلك حسب ما يقوله شاكر"

نظرت أمل إلى السيد شاكر فوجدت عينيه موجهتين نحو الأرضية، لكن كان مرتاحا جدا في وجود صاحب عمله، أكثر ارتياحا منها هي، ففكرت أنهما ربما يكونان صديقين، ثم قالت :"أنا أبذل جهدي يا سيدي"

"جيد، عرفت أنك لن تخيبي ضني، فتاة مثلك، جميلة وموهوبة ومتفوقة، مكانك هنا، أنت لا تستحقين العيش في دار الرعاية"

"لا أحد يستحق العيش في دار الرعاية يا سيدي" قالت أمل ذلك ثم شعرت بالذنب بسبب هذه الإجابة الوقحة، لاسيما وقد وعدت السيد شاكر بأن تحسن ألفاظها، لكن السيد كريم ضحك من إجابتها بصوته المتعجرف ثم تابع كلامه:" تعجبني صراحتك يا آنسة، لكنني وحسب قدراتي لا أستطيع أن أتكفل بدار الرعاية بأكملها، يكفيني أنني أمول هذه الثانوية منذ زمن، صدقيني، إنها مكلفة جدا، على أية حال، أخبرني شاكر أنك تعودت على عدم الالتزام بالقواعد وما تزال آثار ذلك عالقة بك، أليس كذلك؟"

"تعرف ما يقولون يا سيدي، من شب على شيء شاب عليه"

"حسنا، لكنني أتمنى أن لا يتكرر ذلك ثانية، نحن لن نتساهل معك أبدا."

عند ذلك قال السيد شاكر مدافعا عن أمل :"لا تخف يا سيدي لقد وعدتني أمل أنها ستتغير قريبا، أليس كذلك يا أمل؟"

"نعم، أعدك بذلك"

كريم:"جيد، هكذا ستصبح حياتك أفضل، نحن لا نريد لك سوى الخير، عودي إلى غرفتك الآن، أتوقع منك عملا جادا و نتائج دراسية ممتازة"

"حسنا سأبذل جهدي، إلى اللقاء يا سيدي"

"مع السلامة"

ثم غادرت أمل وتركتهما فقال السيد كريم بعد أن جلس في مقعده ثانية :" راقبها جيدا، أنا المسؤول عنها الآن، وهي لم تتعود على العيش في مدينة أكثر تطورا مثل هذه."

"لا أحتاج إلى توصية. كنت أتحدث لك قبل أن تأتي أمل عن ذلك الشاب الذي يظن نفسه وسيما يا سيدي، إنه محط اهتمام أكثر من نصف فتيات الثانوية"

"هل أنت مجنون يا شاكر حتى تضع فتى في العشرين من عمره داخل ثانوية فتاة، اطرده من العمل عند أول غلطة"

"لا أستطيع فعل ذلك أنسيت أنه ابن السيد جلال، نحتاج ذلك الرجل كثيرا، لم أستطع رفض تشغيله عندما جاء والده إلي، كما أنني أعرف الفتى تربيته و أخلاقه ممتازة."

"في هذه الحالة لا تقلق بشأنه، سيصبح وجوده أمرا عاديا بعد أشهر، الأفضل أن نعود لمناقشة أمور العمل الآن."

*********************************

كانت الفتيات في أقسامهن منشغلات بالدراسة، وكان الهدوء يسكن ممرات الأقسام، حيث لا يسمع سوى صوت الطباشير يقرع على الصبورة للكتابة، أو صوت أستاذ أو تلميذة بالقراءة، وفجأة اخترق ذلك السكون صوت اصطدام أقدام بالأرض، إنها أمل وقد تأخرت عن الصف في ذلك الصباح، فأسرعت تركض إلى القسم وهي تتصور نوع العقوبة التي ستنالها هذه المرة، بينما مرت بقسم أحد الأساتذة الذي قال لتلميذاته:"لن تكون هذه التلميذة مسرورة بتأخرها". ووصلت أمل إلى القسم، كانت هذه أول حصة لأستاذة الأدب مع صفها، حيث كانت غائبة بسبب عطلة مرضية. طرقت أمل الباب ثم دخلت، فشدت انتباه زميلاتها، كانت الأستاذة مستديرة إلى النافذة وتحمل في يدها كأسا بلاستيكيا من القهوة. تقدم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://barmajiyat.uniogame.com
 
**حنين وأمل**بقلمي**الجزء الثاني والعشرون:**حالة هند**
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رشا شربتجي : الجزء الثالث من الولادة يتحدد بعد عرض الجزء الثاني
» تحميل لعبة Portal 2 بورتال 2 الجزء الثاني كاملة على برمجيات امين نات
» المحقق كونان الجزء الخامس الحلقة 200 -201-202-203-204-205-206الجزء الثاني منتديات امين نات
» هذه قصيدة كنت أنوي أن أشارك بها في نهائي بطولة آدم ارتقاء المعالي/بقلمي وحنكتي
» بيع اثاث شقة في حالة جيدة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
برمجيات امين نات :: روايات وقصص-
انتقل الى: