لوحات من اللّهب صنع بريقها أكثر الألوان قدسية عند الجزائريين، زينت الألعاب النارية سماء العاصمة في ليلة كان فيها القمر بدرا، واكتملت فيها فرحة شعب يتوق للفرح والابتسامة، شعب يحق له أن يبتسم ويفرح ويحتفل بخمسينية استرجاع السيادة الوطنية.. فالحرية لا ثمن لها وفرحة الاحتفال بالذكرى لا تقيم أيضا بأي ثمن.
يكذب من يقول أن الجزائريين لا يتوقون للفرح، وأن كل الأزمات التي مرو بها أثرت في نفسيتهم، وأن سنوات الجمر لا تزال تفرض عليهم حضر التجوال ليلا، فالكثيرون بل الآلاف ركنوا سياراتهم في شوارع حسين داي، و"الرويسو " والعناصر، ومنهم من ترك سيارته في مناطق لم يخش من سطو اللصوص فيها، وتنقلوا على أرجلهم إلى غاية مقام الشهيد، لم يلبوا نداء أحد لم تكن هناك حفلة مبرمجة، أو فنان كبير سيغني لهم، فالكل كان يعلم أن سماء العاصمة لن تكون كباقي الأيام.
كل الطرق لا تؤدي إلى المقام
أغلقت كل الطرق المؤدية إلى المدنية، بسبب ضغط دخول السيارات إلى مرآب مقام الشهيد، وكان ثمن التذكرة 250 دينار ومع ذلك اضطر العشرات الانتظار أكثر من نصف ساعة لأجل ركن سيارتهم. وآخرون جاؤوا على متن "الميترو" الذي شغل الراكبون كراسيه وأجواءه وكانت محطة المعدومين بالرويسو عند حدود العاشرة ليلا، تعج بالمواطنين من مختلف الأعمارجاؤوا من بلديات مجاورة على غرار باش جراح القبة وغيرها، فالنقل كان مجانا والحدث أيضا كان مميزا جدا، فميترو الجزائر إلى غاية الواحدة والنصف ليلا كان يعج بالمواطنين.
كما حرص أفراد الشرطة على ضمان أمن كل الطرق المؤدية إلى ساحة المقام، حيث منع ركن السيارات على حافة الطرق الرئيسية وذلك لتسهيل مرور المشاة، فعلى طول الطريق بين المرادية والمدنية احتل المواطنون الطريق والرصيف ومُنع سير السيارات ضمانا للأمن والسلامة.
في تمام العاشرة ليلا، وعندما تُلقي بنظرك أسفل الساحة لن تجد مكانا فارغا ولن تجد مكانا للجلوس، فاحتل العاصميون الساحات الخضراء بجوار مقام الشهيد وامتلأت الساحة ومع ذلك لا يزال العاصميون يحجون إلى مقام الشهيد.
سماء الجزائر ترقص فرحا
الساعة العاشرة والنصف ليلا.. كان الكثير يعتقد أن ساعة انطلاق مهرجان الألعاب النارية سيكون عند منتصف الليل إذ بمقام الشهيد يتلألأ عن آخره.. لحظات أدهشت الجزائريين.. لحظة سكون امتزجت بالدهشة...
كان الجزائريون ينتظرون لوحة بداية العد التنازلي لانطلاق مهرجان الألعاب النارية، أو ينتظرون حتى النشيد الوطني قسما، لكن القائمين فاجأوا المواطنين مباشرة بإطلاق الألعاب النارية. وكانت في كل مرة ترقص فيها سماء الجزائر فرحا كان الجزائريون يهتفون، يُغنون، يبتسمون.. مشاهد فرح رسمتها عشرات اللوحات الفنية على أطفال ونساء ورجال وشيوخ... كانت رؤوسهم مُعلقة إلى السماء، ونسي الكثير منهم وسط الفرحة حتى أخذ صور تذكارية مع السماء الملهبة، كما نسوا همومهم وتمنى الكثير منهم لو تدوم تلك اللحظات لأكثر من نصف ساعة.
وإن انطفأت الألعاب النارية التي أضاءت السماء فعيون العاصميين لم تنطفئ، فالكثيرون عادوا إلى منازلهم وهم يطلقون العنان لمنبهات سياراتهم وآخرون فضلوا البقاء لوقت مطول تحت صدمة ليلة الألعاب النارية.
وفي الوقت الذي كان فيه ممن حضروا الحفل يهمون بالخروج بدى واضحا أن المئات كانوا يتوافدون مجددا على مقام الشهيد، وفي اعتقادهم أن العرض سيستمر إلى غاية منتف النهار وهو ما أدى بزحمة مرورية خانقة، وعلى العكس لم "يتنرفز" الجزائريون كعادتهم، وكأن روعة السماء أطفأت عصبيتهم. وانتهى العرض ومهما قيل عن تكاليف الألعاب النارية فلا شيء يضاهي فرحة تلك الطفلة الصغيرة التي كانت تصرخ فرحا وهي لأول مرة ترى السماء مشتعلة، ولم تكن تعلم ماذا يحدث من حولها وتسأل والدها "بابا وعلاش هذا" ويجيبها بتلقائية "عيد الاستقلال يا بنتي"...
تزينت السماء وارتدت الأرض حلة جديدة
استمتع سكان الوطن عبر 48 ولاية، بمهرجان الألعاب النارية بمناسبة لاحتفال بالذكرى الخمسين لعيدي الاستقلال والشباب، حيث خصصت عروض واسعة لإقامة مهرجان الألعاب النارية، ففي كل سماء من ولايات هذا الوطن تلألأت السماء وخرج الجزائريون وفرحوا وابتسموا.
فبعد ملحمة "أبطال القدر" التي قدمت بسيدي فرج، نظمت مهرجانات وعروض فنية في كل الولايات ففي ولاية مستغانم حسب ما ذكرته التقارير شارك نحو 5000 شاب في استعراض فني ضخم، وفي ولاية الطارف أقصى الشرق شارك نحو 7000 شخص في صنع لوحات فنية رائعة، ولم تتزين فقط سماء الجزائر، فمساحات العاصمة بدورها تزينت بحلة جديدة فزينت أشجار النخيل كل طرقات العاصمة وزادتها جمالا عبر كل الطرق السريعة والطرق بين كبرى بلديات العاصمة، وحتى منها الطرق الجديدة في اتجاه المدن الجديدة على غرار الطريق السريع المؤدي إلى بلديات غرب العاصمة مثل خرايسية والسويدانية.
وعرفت المدن التي يخترقها "الترامواي" تدشين ساحات جديدة بنافورات عملاقة على غرار بلدية حسين داي التي شهدت تدشين جزء "الترامواي" الرابط بينها وبين باب الزوار، وأعاد الترامواي الحياة لسكان المدينة، من جهة أخرى أعاب بعض المواطنين طريقة الاحتفال بالألعاب النارية وعبروا عن سخطهم، فحسب قول البعض منهم أنه كان لا بد أن توجه أموال اقتناء الألعاب النارية لتدشين مشاريع أخرى.. لكن بعيدا عن المنتقدين يحق لهذا الشعب أن يفرح ويبتسم ففرحة استرجاع السيادة لم يكن لها ثمن في الخامس من جويلية 1962 وبعد 50 سنة تبقى هذه الأرض وهذا الشعب فرحة استقلاله لا تقدر بثمن هي الأخرى.