حتى وان كانت الأرقام مزلزلة ومرعبة، بالنسبة للطبقة السياسية، وحتى إن كانت مفاجئة وعجيبة بالنسبة للأحزاب الخاسرة والمتراجعة و"المنتحرة انتخابيا"، وحتى إن شاركت نسبة 43 بالمائة فقط من مجموع 22 مليون ناخب مسجل، وحتى إن اكتسح الأفلان أغلبية مقاعد البرلمان، وحتى إن لم تتحقق توقعات الإسلاميين، وحتى إن تبدّدت "أحلام" شخصيات معروفة شكلت أحزاب جديدة، فإنه من الضروري رسم بعض السيناريوهات المحتملة لمرحلة ما بعد العاشر ماي:
أولا: العدد المذهل من المقاعد التي حصدها الأفلان، رغم ما واجهه من خلافات وانقسامات قبل وعشية الانتخابات، يفتح الباب، للتساؤل حولا ما إذا كان الحزب الواحد سابقا قد كسب "عطف وتضامن" أغلبية الأصوات، أم أن هؤلاء انتخبوا على شخص بوتفليقة الذي دعا الناخبين إلى التصويت بقوة، وقال قبيل الانتخابات أن "حزبه معروف"!
ثانيا: المقاعد البرلمانية التي كانت من نصيب جبهة التحرير، تدفع إلى التساؤل حول ما إذا كان رئيس الجمهورية سيلجأ إلى تعيين الوزير الأول من "حزب الأغلبية البرلمانية"، أم أنه سيفضل حكومة تيكنوقراطية وحيادية، على أساس أن الدستور الحالي لا يُجبره على تعيين الوزير الأول من صاحب الأغلبية، يُكلفها بتسيير "مرحلة انتقالية" تسبق تعديل الدستور؟
ثالثا: قد تكون في نتائج الانتخابات، رسائل سياسية من المواطنين المصوّتين، تؤكد أنهم ضد محاولات "التدخل الأجنبي" والضغوط والإملاءات الخارجية، وأنهم مع استقرار البلاد وإحداث "التغيير" على الطريقة الجزائرية وبأيادي الجزائريين، بشكل سلمي وهادئ.
رابعا: احتمال إبرام "تحالفات" غريبة واضطرارية داخل البرلمان القادم، من أجل ترجيح الكفة، وكسر شوكة الأفلان، ولا يُستبعد أن يتكتل الإسلاميون ويلتقون مع تيارات غريبة عنه، حتى يضمن مواجهة أصحاب "الأغلبية"، بعدما استفادوا من تصويت الناخبين لفائدة الحزب بدل الأشخاص، وهو ما يفسر تلاشي الأحزاب الصغيرة والجديدة.
خامسا: من الممكن أن يكون المصوتون قد "عاقبوا" التيار الإسلامي الذي دخل بعدة أحزاب إلى الانتخابات، من باب أنهم "يأكلون الغلة ويسبون الملة" بوضع رجل في السلطة وأخرى في المعارضة، وأنه يرفض ترسيم سيناريو ما حدث بتونس ومصر باسم "الربيع العربي".
سادسا: سينتقل "الصراع" بعد ترسيم النتائج إلى داخل البرلمان، عندما يحلّ موعد تعديل الدستور، باعتباره الخطوة الرئيسية والمهمة في مسار الإصلاحات التي قيل أن البرلمان الجديد سيُتممها ويُفصّلها.
سابعا: ستبدأ الحسابات حول رئيس المجلس الشعبي القادم، ومن سيكون رئيسا لمجلس الأمة، بناء على الأرقام الخاصة بالانتخابات البرلمانية، وقد تلعب "لعبة التوازنات" دورها في تحقيق "التهدئة" داخل المؤسسة التشريعية.
ثامنا: نسبة المشاركة التي بلغت 43 بالمائة، مجرّد رقما لتبرير "أحقية وشرعية" الفائزين، فيما ستتحوّل نسبة الـ57 بالمائة، أي ما لا يقل عن 12 مليون ناخب، إلى هاجس يجب تشريحه والبحث في شرائحه وهويته وأسباب امتناعهم عن الانتخاب.
تاسعا: سيستغل البعض رقم 57 بالمائة من الممتنعين، ويقولون بأن هؤلاء الجزائريين "مع التغيير"، ولذلك رفضوا المشاركة في انتخابات بنفس الوجوه والأحزاب، فيما قد يقول البعض الآخر بأن الـ43 بالمائة المشاركة "ضد التغيير".
عاشرا: في ظل النتائج المعلنة سينطلق التحضير لانتخابات محلية ستكون هي الأخرى ساخنة، وإن كانت نتائجها ستضبط على عقارب ساعة ما حدث في التشريعيات، كما ستعبّد "مفاجآت" هذه الأخيرة، البساط الأحمر نحو الرئاسيات، إمّا بلجوء الأفلان باعتباره صاحب الأغلبية إلى الإبقاء على العهد الرئاسية مفتوحة، خلال تعديل الدستور، لدعوة بوتفليقة للترشح لعهدة رابعة، وإمّا أنها ستقدّم "مرشحها" لرئاسيات 2014، في حال غلق العهد وعدم ترشح بوتفليقة!