يبدو أن عهدة الناخب الوطني وحيد حليلوزيتش مليئة بالأشياء الجديدة، فالرجل وفي ظرف أقلّ من سنة حوّل ذلك المنتخب الهشّ المنهك القوى إلى آلة لا تسأم من تحقيق الإنتصارات وتسجيل الأهداف (5 انتصارات و13 هدفا في ست مباريات)، فصار الجزائريون يحلمون من الآن بالتواجد للمرة الثانية على التوالي في “مونديال” البرازيل سنة 2014. ولم تكن النتائج الجيدة وحدها يمكن أن نصنفها ضمن إيجابيات هذا المدرب، بل أنّ الرجل فرض الصرامة والإنضباط داخل المجموعة، وهي الصرامة التي لم تعجب البعض، إن لم نقل لم تعجب كثيرين ممن ألفوا من قبل سياسة “التفشاش” وتراخي المسؤولين، والدليل على ما نقوله أنّ عدد ضحايا البوسني المبعدين عن صفوف “الخضر” يتزايدون من يوم لآخر، لكن دون أن يتأثر منتخبنا سلبا لرحيلهم.
بودبوز وفابر استعرضا عضلاتهما فدخلا الصف بعدها
أوّل الإختبارات الصعبة التي خضع لها البوسني مع المنتخب كان في الصائفة الماضية، وبالضبط خلال أول تربص أشرف فيه على تدريبات “الخضر“، ونخص بالذكر تربص “ماركوسي” الذي غاب عنه بودبوز والحارس فابر بداعي الإصابة، إلا أن الرجل لم يسمح لهما بالغياب وأصر على حضورهما كي يتأكد الطاقم الطبي للمنتخب من إصابتهما، فانصاع فابر للأمر وسارع إلى “ماركوسي” مهرولا لإثبات إصابته، بينما عصى بودبوز الأمر فدفع ثمن استعراض عضلاته مع مدرب لا يتلاعب بالصرامة، فأبعد عن مباراتين متتاليتين (لقاء إفريقيا الوسطى واللقاء الذي كان من المقرر لعبه أمام الكامرون).
بوعزة حفظ الدرس وصار يحضر مع الأوائل
وقد فهم اللاعبون تلك الصرامة التي أبان عنها الرجل منذ اليوم الأول، فحضر فراج وڤديورة تربص “ماركوسي” وهما مصابان، وبرر بوعزة يومها غيابه عن التربص بعدم تلقيه الإستدعاء ونجح في إقناع مدربه، لكنّه لم ينجح في الثانية عند وصوله متأخرا إلى لقاء إفريقيا الوسطى، إذ دفع ثمن ذلك على الفور وبعث به “حليلو” إلى المدرجات رغم أنه لقاء لا فائدة من نقاطه الثلاث، ففهم الرسالة من يومها وصار يصل مع الأوائل عندما يتعلق الأمر بالتربصات التحضيرية، والدليل على ذلك أنه دوّن اسمه بأحرف من ذهب ضمن التربص التاريخي الذي دخل فيه “الخضر” بباريس بلاعبين اثنين في السادس من شهر ماي الماضي.
بلحاج ومترف طلبا عدم استدعائهما ورفضا المنافسة
صرامة “البوسني” وتعامله مع لاعبيه جميعا سواسية لم تعجب البعض، لكنها تكون قد أعجبت بودبوز وبوعزة اللذين دخلا في الصف من يومها، إلا أن لاعبين آخرين لم يعجبهم الأمر، فراح بلحاج يطلب من مدربه عدم الإتصال به مجددا لا لسبب سوى لأنه وضع في القائمة الإحتياطية أمام إفريقيا الوسطى، قبل أن تظهر قضيته العائلية على الساحة، ليحذو حذوه مترف الذي احتج على عدم إقحامه في لقاء غامبيا وراح يطالب هو الآخر بعدم استدعائه، فشطب الرجل اسميهما من حساباته نهائيا مؤكدا للإعلاميين أن “المنتخب لن يكون في حاجة لهما ما دام مدرّبا للخضر”، ومعبرا عن رفضه أن يفرض عليه اللاعبون إشراكهم في المباريات.
غزال تقرر إبعاده بعد العودة من غامبيا
كما سقط اسم المهاجم عبد القادر غزال من الحسابات نهائيا مثلما سقط آخرون وتقرر ألا يستدعى إلى صفوف المنتخب الوطني مستقبلا حتى وإن صار يسجل أهدافا بالجملة مع الفرق التي يحمل ألوانها، لا لسبب سوى لأن اللاعب تعدى حدوده عقب لقاء غامبيا وتخطى الخطوط الحمراء، فتقرر بالتنسيق بين روراوة وحليلوزيتش ألا تطأ أقدامه المنتخب الوطني مستقبلا، ليضاف هو الآخر إلى قائمة ضحايا البوسني.
شاوشي وبن العمري... حكاية إصابة وهمية؟
وصلنا الآن إلى حكاية غامضة أثبت الوقت أنها كانت وهمية، لأنّ شاوشي لم يعد إلى معسكر المنتخب رغم تماثله للشفاء من الإصابة التي قيل أنها كان يعاني منها على مستوى قدمه، وحتى بن العمري لم يعد للمعسكر رغم حاجة المنتخب إلى مدافع محوري. والظاهر أن الرواية والإشاعة التي تم الترويج لها يومها ونفاها اللاعبان تبدو حقيقية، والظاهر أيضا أن مغادرتهما التربص يعود لأسباب انضباطية مثلما تردّد حينها.
مفتاح “تمرّد” ولن يستدعى مستقبلا
حالة أخرى من حالات التمرّد في عهدة الناخب الوطني حليلوزيتش، ألا وهي حالة مفتاح الذي تلقى الدعوة عقب الإصابة التي تعرض لها الظهير الأيمن “لياسين بن طيبة كادامورو”، إلا أن اللاعب رفض تلبيتها دون أن يعلق على قرار رفضه المفاجئ هذا، لكن رفضه لوحده فيه تعليق واضح وهو “مارانيش بوش ترو”، إلا أن البوسني لم يمهله كثيرا واستدعى لاعبا آخرا في مكانه وقرر شطب اسمه نهائيا من قائمته مثلما شطب أسماء أخرى.
شعلالي ورماش يرفضان التواجد من أجل التواجد فتم إبعادهما!
حالات التمرّد تواصلت لأنّ الثنائي شعلالي- رماش عوقب بعدم اصطحابه إلى بوركينافاسو خلال رحلة “الخضر” مساء الغد، كما عوقب بحرمانه من منحة الفوز الأخير على رواندا، لا لسبب سوى لأن الأول ظل يردد خلال التربص الأخير لزملائه أنه يرغب في المغادرة مادام المدرب لا يوظفه، والشيء نفسه بالنسبة لـ رماش الذي حزم أمتعته وغادر التربص مساء أمس دون رجعة للسبب ذاته، في حين أن شعلالي سيغادر مركز التحضير بسيدي موسى صبيحة اليوم.
عنتر يحيى رحل قبل أن يرحّل ومطمور يبعد نهائيا
مطمور هو الآخر سيدفع ثمن اعتزاله المؤقت- مثلما وصفه- غاليا ولن توجه له دعوة اللعب للمنتخب في عهد حليلوزيتش، بعدما فضّل- حسب هذا الأخير- مصلحته الشخصية على مصلحة المنتخب الوطني، وقد اعتبر الرجل الأمر إهانة في حق المنتخب، فقرر معاقبته بالإستغناء عن خدماته قائلا: “مطمور معي لن يلعب للجزائر، أما بعدي فالأبواب مفتوحة له”. ولا يمكننا أن نصف عنتر يحيى ضحية من ضحايا البوسني، لأن ابن “سدراتة” كان ذكيا فرحل قبل أن يرحّل لأسباب فنية وليست انضباطية، فـ يحيى يبقى مثالا في الإنضباط داخل المجموعة.
حديث عن عدم رضا حتى مساعديه عن طريقة تعامله معهم
ويدور حديث داخل أوساط المنتخب الوطني أنّ البوسني حليلوزيتش قد يكون له ضحايا جدد، والأمر هذه المرة لن يقتصر على اللاعبين المتمردين ممن يرفضون كرسي الإحتياط أو التواجد خارج قائمة “18”، بل قد يمتد الأمر إلى مختلف الأطقم الأخرى سواء الفنية، الطبية، المسيرة وغير ذلك، إذ عبر الكثير عن انزعاجهم من صرامته معهم وعدم رضاهم عن طريقة تعاملهم معهم أيضا، وهو أمر لا يكترث له البوسني الذي أبدى استعدادا للبقاء وحيدا على رأس المنتخب، والمهم بالنسبة له أن يفرض نظاما يحترمه الجميع ويسود الإنضباط داخل المجموعة.
الأهم... صرامته تقود الجزائر إلى الطريق الصحيح
كانت هذه أمثلة عن ما واجهه البوسني حتى الآن من مشاكل بخصوص الأمور الإنضباطية داخل المجموعة، وهي المشاكل التي عرف كيف يتصدى لها- رغم ثقل بعض الأسماء أحيانا- بفضل صرامته وجدّيته، فالرجل ورغم أننا قلنا وأكدنا في أكثر من مرة أنه غريب الأطوار ولا يتحكم غالبا في تصريحاته، ولا يدري أنها تصريحات تحمل تجريحا للآخرين، إلا أن صرامته التي لم تعجب لاعبينا الدوليين الذين ألفوا التراخي و”التفشاش” تسير بمنتخبنا اليوم إلى برّ الأمان، والدليل أننا نحصي الإنتصار تلوى الآخر في ظرف وجيز من توليه العارضة الفنية للمنتخب.