تمكنوا من تحطيم أربكانهم ولكنهم لم يجدوا لهم أردوغاناثمة ملاحظتان بارزتان في النتائج التي حققها الإسلاميون، تتعلق الأولى بالنتيجة العامة والرتبة التي حصلوها في الانتخابات، وتتعلق الثانية بالترتيب الداخلي للإسلاميين فيما بينهم.
بالنسبة للترتيب العام الذي حققه الإسلاميون، فقد حصلوا المرتبة الثالثة، أو كتيار احتلوا المرتبة الثانية بعد التيار المحافظ أو ما يسمى بالتيار الوطني (بشقيه الأفلان والأرندي)، وبناء على هذا الترتيب المعلن فإن الكتلة الناخبة قد رسمت موقع الإسلاميين كقوة سياسية ثانية في البلاد، وهي المرتبة التي ما لبث الإسلاميون يحققونها منذ رئاسيات 1995، رغم ما قيل عنها وعن كل المواعيد التي تلتها، إلا أن الحقيقة الثابتة هي أن الإسلاميين الجزائريين أصبحوا كتلة سياسية ثانوية، أي انهم "قوة اقتراح" لا "لا قوة قرار"، ويعود هذا إلى أسباب ذاتية وأسباب خارجية.
فعلى الصعيد الذاتي، بدا الإسلاميون الجزائريون كمن أضاع مشروعه، وأضاعوا مع كل تنازل قدموه باسم فقه الموازنات جزءا من مصداقياتهم التي اكتسبوها في المرحلة التي كانوا يتدارسون خلالها "المأثورات"، ويعاملون الناس بمنطق "كونوا كالشجر يرمى بالحجر فيرد بالثمر"، ثم جاء جيل جديد من الإسلاميين قالوا "نحن رجال دولة ولسنا رجال دعوة"، فدخلوا في حكومات تنفذ برامج يفترض انها مناقضة لتوجهاتهم، وفي غمرة ذلك تخلى الإسلاميون عن ميدانهم الأول، ولم يقدموا أو يكونوا خلال هذه الفترة داعية واحدا معروفا رغم ما أتيح لهم من امكانيات، وكان الشيخ أحمد سحنون قد نبههم إلى خطورة ذلك، وقال في اكثر من جلسة معهم "أخاف عليكم وانتم خارج المسجد".
ثم لما تخلوا عن برامجهم، وجاء إلى الكتلة الناخبة شباب لا يعرفون عن الإسلاميين الا صورهم وصور "شيوخهم" المحاطين بعدد من الحراس الشخصيين، وماركات سياراتهم وأرقام أعمال بعضهم، ويستمعون منهم إلى خطاب غير مختلف عن خطاب الحكومة، واحيانا أقل اقناعا من خطابها، وشاهدوا عددا من الإسلاميين في مواقع داخل الحكومة، لكن لم يكن أداؤهم مختلفا عن غيرهم، وحتى الذين لم يدخلوا الحكومة وتمسكوا بشعارات معارضة لم يقدموا مقترحات واقعية، واكتفوا بتكرار كلام هو نفسه الذي كانوا يقولونه قبل الانفتاح السياسي، ولم يتغير منهم شيء سوى وضعهم الاجتماعي وتقدم قادتهم في السن.
وعلى الصعيد الخارجي، اخطأ الإسلاميون حين تمنوا أن تنعكس عليهم نتائج الانتخابات المصرية والتونسية والمغربية، ولكنهم صدموا بتأثير التجربة التركية عليهم، إذ جاءت نتائج الانتخابات لتبين أن الناخب الإسلامي الجزائري لم يعد يبحث عن مرشد للجمهورية، وانما يريد من يقدم برامج واقعية، لذلك اكتسحت قائمة التكتل الأخضر في العاصمة مثلا الصناديق بسبب وجود الوزير عمار غول على رأس القائمة رغم ما يمكن أن يقال عن أدائه في الحكومات السابقة.
والفرق واضح بين الساحة الجزائرية والساحة المصرية والتونسية، فالإسلاميون في تونس فازوا، لأنهم كانوا يمثلون حركة احتجاجية لم يكن في معارضتها للنظام السابق في البلاد أي لبس، وهو نفس الأمر الذي كان في المغرب التي ظل صقور الإخوان قادة للحركة الإسلامية فيها باستثناء عهدة واحدة.
أما في مصر التي اضطر فيها الإسلاميون إلى عدم المجاهرة كثيرا بمعارضتهم بسبب المتاعب والأذى الذي تعرضوا له، الا أنهم استبدلوا ذلك بعمل اجتماعي جبار، لقد كان الإخوان موجودين في كل المؤسسات الخيرية، وكانت بصمتهم واضحة في كل أعمال الإغاثة الداخلية والخارجية، كل ذلك، إضافة إلى بقاء قيادات منهم في المساجد ساهم في الفوز الذي يحققونه في مصر.
أما الملاحظة الثانية البارزة في نتائج الانتخابات في جبهة الإسلاميين هي زوال التوجه الشعبوي لدى الإسلاميين، ونتحدث هنا عن "النتيجة المهينة" التي مني بها جاب الله، ويجب التذكير، هنا أن بوادر زوال هذا التوجه كانت بادية منذ رئاسيات 2004 التي لم يتمكن الرجل خلالها من الفوز بأكثر من 4٪ من الأصوات المعبر عنها رغم انه كان المرشح الإسلامي الوحيد فيها، ولعل من الأسباب الأخرى التي ساهمت في بداية نهاية هذا التيار تمكن حركة مجتمع السلم من جمع النهضة والإصلاح اللتين فرق جاب الله شملهما قبل هذا، هذا التكتل الذي إن حافظ على تماسكه وتمكن من اجتياز الصدمة يمكن أن يكون نواة لبعث قطب اسلامي جزائري بتوجهات واقعية يمكن ان يبرز من بينهم أردوغانا جزائريا بعد ان انتهي النموذج الأربكاني فيهم.