هل يمكن للجزائر أن تحلم بمثل هاته
الدروس المجانية التي فتحت كل صفحاتها أمامها سياسيا واقتصاديا وحتى
رياضيا؟ وهل يمكن للمسؤولين الجزائريين أن يُفرّطوا في فرصة العمر التي
توفّرت أمامهم وهم يتابعون مصير المخطئين في حق أوطانهم، ويُشخصون الحالات
الجاهزة أمامهم؟ وهل يبقى الشعب الجزائري غير مهتم برسالته في الحياة،
مفضلا مدّ يده للسلطة حتى تعطيه من مال النفط ومُحمّلها لوحدها أسباب بؤسه
المادي والمعنوي وهو يتابع شعوبا آسياوية وأمريكية وحتى إفريقية اجتهدت
ونجحت، ولم يضمن هو على الأقل أجر الإجتهاد؟ أسئلة كثيرة حان الوقت لأجل
مباشرة الإجابة عنها ميدانيا وعدم الإكتفاء بمشاهدة الأحداث كما تشاهد
النسوة المسلسلات المدبلجة الطويلة للتسلية وكسر الروتين، فما حدث في مدينة
بور سعيد المصرية عقب مباراة كرة قدم بين الأهلي والنادي المصري هو نتاج
أخطاء سياسية واقتصادية وأمنية ورياضية تراكمت وانفجرت في مباراة كرة، قدمت
صورة سوداء لبلد عربي مسلم يتواجد في قلب العالم الذي انبهر بثورته ويُصدم
الآن بما يحدث له من مآس، وللأسف فإن الأعراض المرضية التي ظهرت على البدن
المصري الهزيل هي ذاتها الموجودة على البدن الجزائري، حيث مازالت مباريات
الكرة عندنا تستنفر جيشا من رجال الشرطة يتجاوز عددهم عدد رجال الأمن الذين
يحرسون السجون المليئة بالقتلة والمغتصبين وتجار المخدرات، وعدد رجال
الجمارك الذين يحرسون الحدود، حيث تمر أطنان من المخدرات، ويٌستنزف
الإقتصاد الوطني الذي هو هِبة ريع النفط بالكامل.
أن يمر عام كامل على الثورتين التونسية
والمصرية بمضاعفاتهما المؤلمة، وأن تدخل سوريا واليمن النفق المظلم، وتبقى
السلطة عندنا بنفس الوجوه التي صنعت الألم، ومارست التزوير ونسفت الأمل من
قلوب المواطنين وجعلت لعبهم الكرة مآس ورعبا تلوك نفس اللُبان الذي بقي
مُرّه في الحلق.
وإذا
كان أهم أسباب ما وصلت إليه الجزائر من أزمات هو انقطاع حبل الوصال نهائيا
بين الشعب ومسؤوليه، فإن الوضع حاليا صار أخطر، لأن العلاقة صارت مبنية
على الحيلة بين مسؤول يعِد بالجنة، ومواطن يبيع ولاءه وصمته بوظيفة أو سكن
أو أي امتياز آخر حتى ولو كان باطلا، وعندما تصل العلاقة بين الشعب والسلطة إلى هذه الدرجة فإن الوطن سيصبح آخر الإهتمامات، ويصبح الحديث عن المستقبل كمن يطارد سرابا مادامت ركائز البنيان نفاقا وخداعا.
في
أمريكا الوسطى عندما اندلعت أحداث نيكاراغوا وسلفادور التي أدخلت البلدين
في حرب أهلية، تحركت الهوندوراس وقامت بإصلاحات حقيقية سريعة بلغت بالبلاد
بر الأمان، وفي أوربا الشرقية عندما اندلعت أحداث رومانيا وبولونيا وانقسمت
تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا، تمكنت المجر عبر ثورة إصلاحات من التحرر بأقل
الأضرار، وفي انجلترا عندما وقعت مأساة هايسل التي توفي فيها قرابة
الأربعين مشجعا، واسودّت صورة المملكة المتحدة قررت المرأة الحديدية
مارغريت تاتشر وساندها الشعب الإنجليزي معاقبة كل الإنجليز من حرمانهم من
اللعبة التي ابتكروها إلى أن تحوّلت الكرة عندهم حضارة يتابعها في المدرجات الشباب والشيوخ، ويدخل مسرحها الصبية والرُضّع وحتى الكانيشات.
دروس بالمجان تتهيأ أمامنا وآخرها ما وقع للأشقاء على ضفاف بورسعيد، وإذا لم نستفد منها فقد يأتي على الإنسان الجزائري حين من الدهر تنتهي فيه الدروس، ولن يلوم حينها إلا نفسه.