النجوم السمراء تتأهب للسطوع في سماء أفريقياتستعد بطولة كأس الأمم الأفريقية الثامنة والعشرين للانطلاق في الغابون وغينيا الاستوائية بداية من السبت الحادي والعشرين من كانون الثاني / يناير الحالي وحتى الثاني عشر من شباط / فبراير القادم، وسط مشاعر متباينة من جميع جماهير وعشاق الكرة الأفريقية، مابين الترقب والانتظار لمشاهدة واحدة من أقوى البطولات العالمية والتي يصنفها الكثير من الخبراء على أنها تأتي في المركز الثالث من حيث القوة والمستوى المرتفع بعد بطولتي كأس العالم وكأس الأمم الأوروبية، وبين خيبة الأمل الكبيرة التي أصابت الجميع نتيجة غياب عدد غير قليل من أقوى المنتخبات صاحبة التاريخ العريق والمشاركات الناجحة على مدار تاريخ البطولة.
فالمتابع للتصفيات المؤهلة إلى النسخة القادمة من نهائيات الأمم الأفريقية يعلم جيداً أنها شهدت خروجاً ووداعاً حزيناً للمنتخبين الأكثر فوزاً بالبطولة وهما منتخبا مصر حاملة اللقب سبع مرات وصاحبة رقم قياسي فريد من نوعه ويصعب كسره، ألا وهو الفوز بالبطولة في آخر ثلاث نسخات متتالية أعوام 2006 و2008 و2010، بالإضافة إلى المنتخب الكاميروني حامل اللقب في أربع مناسبات أعوام (1984 و1988 و2000 و2002) إضافة إلى نيجيريا حاملة لقب نسختي 1980 و1994 وجنوب أفريقيا بطلة نسخة 1996 كما ستغيب أيضاً الجزائر الفائزة ببطولة عام 1990 والتي تأهلت إلى نهائيات كأس العالم الماضية عام 2010.
وعلى الرغم من ذلك فإن المتفائلين يرون أن البطولة القادمة لن تقل قوة وإثارة وندية عن البطولات الماضية بل ربما تكون أكثر إثارة ومتعة بسبب أنها ستشهد عودة قوية للكثير من القوى التقليدية المعروفة على ساحة كرة القدم الأفريقية في مقدمتها المنتخب المغربي المعروف بـ"أسود الأطلسي" الذي سيدخل المنافسات بكتيبة لاعبين متألقين بشكل لافت حالياً في عدد كبير من بطولات الدوري الأوروبية، إضافة إلى المنتخب السنغالي البعيد تماماً عن الساحة منذ إنجازه التاريخي بتأهله إلى نهائي بطولة عام 2002 في مالي ووصوله إلى ربع نهائي بطولة كأس العالم التي أقيمت في العام ذاته في اليابان وكوريا الجنوبية، فبعد الإنجازات التي قدمها الجيل الذهبي السابق بقيادة الحاج ضيوف وهنري كمارا وخليلو فاديجا وبابا بوبا ديوب، يمني الجمهور السنغالي نفسه حالياً بتحقيق إنجازات أخرى لا تقل قوة عبر جيل متألق آخر يعج بعدد كبير من النجوم في مقدمتهم هداف الدوري الفرنسي في موسمه الماضي موسى سو ومهاجم السد القطري مامادو نيانغ وأحد أبرز نجوم مرسيليا الفرنسي سليمان دياوارا.
كذلك فإن منتخب كوت ديفوار الذي أخفق في الفوز بالبطولة في السنوات الأخيرة على الرغم من أنه يضم بين صفوفه عدداً غير قليل من أبرز نجوم اللعبة على المستوى العالمي، يطمح هو الآخر إلى اغتنام فرصة غياب القوى التقليدية والانقضاض على كأس البطولة للتوّيج بها للمرة الثانية في تاريخه بعد الأولى في السنغال عام 1992، ومن جانبه لن يفوّت المنتخب الغاني الذي تأهل إلى نهائي النسخة الأخيرة عام 2010 الفرصة هو الآخر لحصد اللقب للمرة الخامسة في تاريخه، خاصة وأنه يضم بين صفوفه جيلاً شاباً كان على وشك التأهل إلى نصف نهائي كأس العالم الأخيرة لولا ركلة الجزاء التي أضاعها مهاجم الفريق ونجمه جيان أساموا في الدقيقة 120 من مباراة غانا وأوروغواي ضمن الدور ربع نهائي من المونديال، هذه الركلة التي حرمت أفريقيا كلها وليست غانا فقط من تسطير إنجاز غير مسبوق في تاريخ القارة السمراء.
كل هذه المعطيات تجعلنا نتوقع مشاهدة بطولة مرتفعة المستوى، يمكننا القول إنها ستكون مرصعة بالعديد من النجوم المتألقين في الفترة الأخيرة، سنحاول في السطور القادمة الإشارة إليهم والتعريف بهم وبمستواهم لمتابعتهم عن كثب وبشكل أفضل أثناء سير أحداث البطولة.
يايا توريه
يمثل الإيفواري يايا توريه ظاهرة فريدة من نوعها حالياً في الكرة الأفريقية فهو يعتبر من القلائل الذين لا يلعبون في مركز المهاجم الصريح ورغم ذلك تمكن وبإجماع الآراء من الفوز بجائزة أفضل لاعب أفريقي لعام 2011 التي يمنحها سنوياً الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، متفوقاً بذلك على الغاني آندريه أيوا نجم مرسيليا الفرنسي والمالي سيدو كيتا لاعب وسط برشلونة الإسباني.
وسيطر مهاجمو القارة السمراء على الجائزة التي يمنحها الكاف سنوياً منذ انطلاقها عام 2003 وحتى العام الماضي، حيث سيطر عليها تماماً الكاميروني صامويل إيتو في أعوامها الثلاثة الأولى (2003 و2004 و2005)، قبل أن تذهب إلى الفيل الإيفواري ديدى دروغبا عام 2006، ثم حصل عليها مهاجم أشبيليه الإسباني ونجم المنتخب المالي السابق فريدريك كانوتيه عام 2007، وبعد ذلك نال شرف الحصول عليها التوغولي إيمانويل آديبايور عام 2008، قبل أن يتوّج بها مجدداً عام 2009 دروغبا، وعاد الأسد الكاميروني إيتو ليفوز بها للمرة الرابعة في تاريخه عام 2010.
ويتضح من قائمة الفائزين السابقين حجم إنجاز فوز توريه بهذا اللقب، ومدى قوة المستوى الذي قدمه اللاعب مع ناديه الحالي مانشستر سيتي وجعله يفرض نفسه على كل الأسماء الهجومية التي كانت مطروحة قبل إعلان النتيجة وفي مقدمتها النجم الغاني الشاب آندريه أيوا والذي يقدم هو الآخر موسماً استثنائياً مع مرسيليا.
وأبرز ما يميز توريه في الفترة الأخيرة هو هذا التقدم الهائل الحادث في مستواه مع مانشستر سيتي عما كان يقدمه عندما كان لاعباً ضمن صفوف برشلونة الإسباني ليس فقط من حيث كيفية الأداء المقدم على أرض الملعب بل أيضاً وهو الأهم في حجم المهام التي أصبح ينفذها في المباريات التي يخوضها، فمن لاعب وسط مدافع يهتم في معظم مبارياته مع فريقه السابق بإفساد هجمات الفرق المنافسة إلى لاعب وسط مهاجم يشارك بقوة في صناعة أغلب هجمات فريقه ويشكل خطورة دائمة على مرمى المنافسين وبالتأكيد فإن هذا التطور الكبير هو ما منحه التميز عن بقية اللاعبين الأفارقة هذا العام.
يبلغ يايا توريه من العمر 28 عاماً وهو من مواليد مدينة بواكيه الإيفوارية عام 1983 والمثير أنه لم يلعب الكرة بلاده على الإطلاق، حيث انطلقت مسيرته الاحترافية وهو ناشئ عندما كان في صفوف بيريفين البلجيكي موسم (2001-2002) قبل أن ينتقل عقب ذلك إلى صفوف فريق ميتالور دونستيك الأوكراني الذي لعب في صفوفه لعامين (2003-2005)، وفي عام 2006 انضم توريه إلى أولمبياكوس اليوناني وقدم بين صفوفه مستوى لافتاً، أهله إلى الانضمام إلى موناكو الفرنسي حيث لعب له موسماً واحداً شكل دوراً محورياً في مشوار اللاعب مع الساحرة المستديرة، إذ شارك مع فريقه الذي كان ينافس وقتها في الدوري الفرنسي في 27 مباراة سجل خلالها خمسة أهداف، مما دفع مسؤولو برشلونة إلى ضمه في الموسم الذي يليه مباشرة.
وأمضى توريه ثلاثة مواسم متتالية في صفوف الفريق الكاتالوني وشارك كأساسي في معظم مباريات الفريق سواءً في الدوري الإسباني أو على صعيد بطولة دوري أبطال أوروبا، حيث خاض 74 مباراة سجل خلالها أربعة أهداف.
ومع بداية الموسم الماضي انضم النجم الإيفواري إلى مانشستر سيتي ليلعب بجوار شقيقه مدافع آرسنال السابق حبيب كولو توريه، وحافظ على وضعه في التشكيلة الأساسية في الفريق منذ انضمامه إليه وحتى الآن، حيث خاض مع الفريق الملقب بال"سيتيزن" 51 مباراة سجل خلالها 8 أهداف، ويمكن ملاحظة ارتفاع معدل تهديف اللاعب منذ انتقاله لناديه الجديد وهو ما جعله محل ثقة مدربه الإيطالي مانشيني.
وافتتح توريه مشاركاته مع منتخب بلاده عام 2006 حيث لعب مع الفريق بطولة كأس الأمم الأفريقية التي أقيمت في مصر ومن يومها خاض اللاعب مع منتخب بلاده 58 مباراة سجل خلالها 8 أهداف، علماً بأنها شارك مع منتخب بلاده مرتين متتاليتين في كأس العالم، عامي 2006 في ألمانيا و2010 في جنوب أفريقيا، ويتميز توريه بكثرة الألقاب التي حصدها على الصعيد الشخصي طوال مسيرته وحتى الآن، فقد فاز مع أولمبياكوس بكأس السوبر اليوناني وكأس اليونان عام 2006، كما توّج مع برشلونة بلقب الدوري موسمي (2008-2009 و2009-2010) إضافة إلى كأس ملك إسبانيا عام 2009 وهو العام ذاته الذي ساعد فريقه خلاله على إحراز لقبي دوري أبطال أوروبا وكأس العالم للأندية، وأخيراً توّج مع مانشستر سيتي بلقب كأس الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم.
جيرفينهو
منذ أن بدأ جيرفايس ياو كواسي ممارسة كرة القدم وهو طفل في أكاديمية فريق أسيك أبيدجان وجميع من عمل على تنشئته وتدريبه يتوقعون له أن يكون أحد أبرز نجوم الكرة الإيفوارية بسبب مهارته العالية وقدرته الفذة منذ نعومة أظفاره على اختراق دفاعات الخصوم وعلى تسجيل الأهداف بغزارة، لذلك أطلق عليه مدربوه وزملائه اسم "جيرفينهو" وهو اسم برازيلي كناية عن موهبة اللاعب والتي جعلت طريقة لعبه أشبه ما تكون بطريقة أداء نجوم المنتخب البرازيلي.
ولد جيرفينهو في مدينة أنياما الإيفوارية في السابع والعشرين من أيار / مايو عام 1987 (24 عاماً) وبدأ ممارسة الكرة في أكاديمية أسيك الشهيرة ثم لعب عقب ذلك في نادي تومودي المحلي المغمور قبل أن يكمل مسيرته في قطاع الناشئين في فريق بيفيرين البلجيكي، الذي خاض معه أول تجاربه الاحترافية على صعيد الكبار عندما خاض معه غمار دوري المحترفين البلجيكي موسمي (2005-2007) حيث لعب خلالهما 61 مباراة سجل فيها 14 هدفاً.
وانضم النجم الإيفواري الشاب عقب ذلك إلى فريق لومان الذي ينافس في دوري الدرجة الأولى الفرنسي، حيث لعب له لمدة موسمين (2007-2009) شارك خلالهما في 59 مباراة سجل فيها 9 أهداف فقط بسبب تركيزه أكثر على القيام بدور صانع الألعاب، وجاءت الانطلاقة الحقيقية لجيرفينهو عقب ذلك عندما انضم لفريق ليل الفرنسي حيث أصبح في شهور معدودة أحد أبرز نجومه وأحد أخطر المهاجمين وأسرعهم في الدوري الفرنسي وشارك مع ناديه في 67 مباراة سجل خلالها 28 هدفاً.
وبعد أن قاد جيرفينهو ليل إلى إحراز لقب الدوري الفرنسي في العام الماضي كان طبيعياً أن يبحث عن تحد جديد يخوض من خلال اللعب لنادي كبير ينافس في إحدى بطولات الدوري الأوروبية القوية، وبالفعل كان قرار الفيل الإيفواري الجديد بالانتقال إلى آرسنال الإنكليزي، خطوة متوقعة في إطار سعي اللاعب للارتقاء إلى مصاف مهاجمي الصف الأول في أوروبا، وحتى الآن ومنذ مشاركته مع المدفعجية مطلع العام الحالي، شارك جيرفينهو في 16 مباراة سجل خلالها أربعة أهداف.
وخاض المهاجم الإيفواري مع منتخب بلاده حتى الآن في 29 مباراة دولية سجل خلالها سبعة أهداف كان أولها في الرابع عشر من تشرين الثاني / نوفمبر عام 2009 في مرمى غينيا ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم الماضية، أما آخر أهدافه فكان في الثالث من أيلول / سبتمبر الماضي في مرمى رواندا ضمن التصفيات المؤهلة لنهائيات أمم أفريقيا القادمة.
ويعتمد المدرب الوطني للمنتخب الإيفواري فرانسوا زاهوي على جيرفينهو بشكل أساسي في الاختراق السريع من الأجناب وصناعة الفرص بالتالي لرؤوس الحربة في الفريق أو القادمين من الخلف، ويتوقع أن يشكل جيرفينهو مع الفيل الإيفواري المخضرم دروغبا مهاجم تشلسي وسيدو دومبيا مهاجم سيسكا موسكو وأفضل لاعب في الدوري الروسي مثلث رعب بالغ القوة في كأس الأمم الأفريقية القادمة.
موسى سو
لا شك في أن المهاجم السنغالي الدولي موسى سو أصبح مؤخراً يعد أحد أفضل وأخطر المهاجمين على ساحة كرة القدم الأفريقية، بل أنه أصبح يشار إليه بالبنان عند ذكر المهاجمين الأفارقة المتألقين في بطولات الدوري الأوروبية حالياً، فالمهاجم المولود في فرنسا والبالغ من العمر 25 عاماً بزغ نجمه بشدة في الفترة الأخيرة وتحديداً في الموسم الماضي عندما توّج هدافاً للدوري الفرنسي برصيد 25 هدف وقاد ليل إلى التتوّيج بثنائية الدوري الفرنسي وكأس فرنسا في موسم يعد الأنجع في تاريخ هذا النادي على الإطلاق.
ويمتاز موسى سو ببنيانه الجسدي القوي إذ يبلغ طوله 180 سم ووزنه 76 كجم، الأمر الذي جعله قادراً على اللعب كرأس حربة صريح يجيد ألعاب الهواء والالتحام بقوة داخل منطقة جزاء الخصم، وهو ما جعله الخيار الأول دائماً لمدرب ليل رودي غارسيا، حيث لعب سو مع فريقه في الموسم الماضي 36 مباراة بمجموع دقائق بلغ 2813، بدأ منها أربع مباريات فقط على كرسي البدلاء، أما الموسم الحالي فقد شارك اللاعب مع ليل حتى الآن في 18 مباراة بدأ منها ثلاث كبديل وتم إشراكه أثناء اللقاء.
وعلى الرغم من انخفاض معدله التهديفي في الموسم الحالي إذ لم يحرز منذ انطلاق الدوري الفرنسي هذا الموسم سوى 6 أهداف فقط، فإن مدرب المنتخب السنغالي الوطني أمارا تراوري لازال ينظر إلى سو على أنه الخيار الهجومي الأول له في كأس الأمم الأفريقية القادمة، وبالتأكيد فأنه سيشكل مع ديمبا با مهاجم نيوكاسل يونايتد ثنائياً خطيراً يبث الرعب في قلوب المنافسين في البطولة القادم.
ولد موسى سو في التاسع عشر من كانون الثاني / يناير عام 1986 في فرنسا في مقاطعة مون لاجولي في شمال فرنسا وانضم وهو في صباه إلى فريق مون عام 1999 وفي عام 2003 انتقل إلى قطاع الناشئين في فريق رين وظل ضمن صفوفه حتى تم تصعيده إلى الفريق الأول عام 2006 حيث بدأت مشاركاته الرسمية في دوري الدرجة الأولى الفرنسي، ومنذ عام 2006 وحتى عام 2010 لعب سو مع رين 82 مباراة سجل خلالها 12 هدفاً علماً بأنه كان قد أعير موسم 2007-2008 إلى سيدان حيث خاض معه 30 مباراة سجل خلالها ستة أهداف.
وانتقل سو عام 2010 إلى ليل ومنذ انتقاله وحتى الآن، خاض الدولي السنغالي 54 مباراة سجل خلالها 31 هدفاً.
وعلى الصعيد الدولي انضم سو إلى منتخب فرنسا تحت 21 عاماً عام 2009 غير أنه لم يوفق مع الديوك إذ خاض مباراتين فقط، ليحسم قراره بعد ذلك بالانضمام للمنتخب بلاده الأصلية السنغال المعروف باسم "أسود التيرنغا" وكان ذلك عام 2009 أيضاً، وحتى الآن شارك سو في 13 مباراة دولية سجل خلالها 5 أهداف.
وسجل موسى سو أول أهدافه الدولية في الخامس من أيلول / سبتمبر عام 2010 في مرمى الكونغو الديمقراطية في المباراة التي انتهت بفوز السنغال بأربعة أهداف دون رد، ضمن التصفيات المؤهلة لنهائيات الأمم الأفريقية القادمة.
كان هذا استعراض لمسيرة أبرز اللاعبين الأفارقة المتألقين على ساحة كرة القدم العالمية حالياً، وسنواصل في الأيام القادمة التطرق إلى عدد آخر من اللاعبين المتوقع ظهورهم بقوة في كأس الأمم الأفريقية القادمة.