بعد أكثر من أربعة عقود، تعود روسيا مرة أخرى بواقعيتها القاتمة لتجهض
آمال التشيكيين في واقع أفضل وإن كان هذه المرة بواسطة المراوغات
والتسديدات لا الدبابات والقاذفات كما احتوى السوفيت ربيع براغ عام 1968.
ففي اليوم الأول من بطولة كأس أمم أوروبا "يورو 2012"، عرفت مدينة فروتسلاف
البولندية مرشحا جديدا للقب يضاف إلى مصاف إسبانيا وألمانيا وهولندا بعد
أن تلاعبت روسيا بالتشيك وتغلبت عليها بأربعة أهداف مقابل واحد.
بدا الفريق الروسي بردائه الأحمر وكأنه قد استعاد ذاكرة أمجاد الستينيات في
عهد ليف ياشين وفالنتين إيفانوف حين كان الفريق السوفيتي ضيفا دائما في
قائمة الترشيحات للفوز باللقب الأوروبي وهو الأمر الذي يعود في مجمله
للأسلوب شديد الواقعية والفاعلية أيضا الذي اعتمده المدرب الهولندي ديك
أدفوكات.
فبعد ربع ساعة من اللعب، بدا وكأن التشيك هي الأقرب للتسجيل إلا أن الشاب
ألان دزاجويف قلب المعطيات بهدف من متابعة لكرة مرتدة من القائم، ثم ضاعف
زميله رومان شيروكوف النتيجة بطريقة مشابهة حين حول تمريرة بدت وكأنها
ضائعة إلى مرمى أبناء براغ.
واعتمد أدفوكات على الانسجام في خط الوسط الروسي فدفع بثلاثي فريق زينيت
سان بطرسبرج المؤلف من شيروكوف وقنسطنطين زيريانوف وإيجور دينسيوف وهو ما
انعكس إيجابيا على الفريق في صورة تمريرات محكمة تصل بسهولة إلى المهاجم
ألكسندر كيرجاكوف الذي تفنن في إضاعة الكرات السهلة.
ورغم تضييق الفارق بهدف تشيكي من فاتسلاف بيلار، فإن دزاجويف استعاد أفضلية
الروس بهدف ثالث، ثم أضاف البديل رومان بافليوتشنكو هدفا رابعا بلوحة فنية
قد تجد لها موقعا في متحف الإرميتاج الشهير بسان بطرسبرج.
أثبت أدفوكات من خلال تغيير بافليوتشنكو أن فريقه يمتلك زادا بشريا يؤهله
للذهاب بعيدا في البطولة، فالأمر لا يقتصر على 11 لاعبا فحسب طالما تحمل
مقاعد البدلاء أسماء من طراز بافليوتشنكو أو حتى المخضرم إيجور سيمشوف الذي
لم يشارك في المباراة، وكذلك المهاجم بافل بوجربنياك.
وبدا سيناريو بلوغ الدور نصف النهائي مثلما فعل الفريق قبل أربع سنوات مع
المدرب الهولندي الآخر جوس هيدينك قابلا للتكرار مع أدفوكات خاصة وأن حسم
التأهل إلى دور الثمانية يبدو في متناول الدببة حال الفوز على بولندا في
الجولة القادمة.
وعلى الجهة الأخرى، أدرك التشيكيون أن منتخبهم خسر كثيرا باختفاء أسماء مثل
يان كولر وماريك يانكولوفسكي فضلا عن بافيل ندفيد إذ يبدو الفريق في طريقه
لثاني خروج من الدور الأول في البطولة بعد خيبة أمل نسخة 2008.
وكانت الجماهير التشيكية قد استبشرت خيرا ببلوغ نهائيات 2012 ولو على حساب
مونتنجرو في الملحق، حيث ظل الفريق يحتفظ ببعض عناصر الخبرة مثل الحارس
بيتر تشيك ولاعب الوسط توماس روزيسكي.
ولكن في مباراة روسيا، بدا وجود تشيك غير مجد طالما سيكون خلف دفاع مهلهل
يسمح لمهاجمي الخصم بالمتابعات، في حين كانت لمسات روزيسكي الفنية في نصف
الملعب فاقدة للفاعلية كونها لا تجد مهاجما فتاكا في ظل ابتعاد ميلان باروش
عن مستواه الذي أهله لتصدر قائمة هدافي بطولة 2004.
ولعل الجمهور التشيكي القديم قد تذكر بشيء من الأسى دخول الدبابات
السوفيتية إلى براغ في 1968 لإعادتها إلى حظيرة المعسكر الشيوعي بعد ربيع
الحريات، بعد أن تكفلت قذائف دزاجويف وبافليوتشنكو هذه المرة في إنهاء ما
توقع أبناء براغ أنه قد يكون ربيعا كرويا.